الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                باب فضل الجهاد والخروج في سبيل الله

                                                                                                                1876 وحدثني زهير بن حرب حدثنا جرير عن عمارة وهو ابن القعقاع عن أبي زرعة عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تضمن الله لمن خرج في سبيله لا يخرجه إلا جهادا في سبيلي وإيمانا بي وتصديقا برسلي فهو علي ضامن أن أدخله الجنة أو أرجعه إلى مسكنه الذي خرج منه نائلا ما نال من أجر أو غنيمة والذي نفس محمد بيده ما من كلم يكلم في سبيل الله إلا جاء يوم القيامة كهيئته حين كلم لونه لون دم وريحه مسك والذي نفس محمد بيده لولا أن يشق على المسلمين ما قعدت خلاف سرية تغزو في سبيل الله أبدا ولكن لا أجد سعة فأحملهم ولا يجدون سعة ويشق عليهم أن يتخلفوا عني والذي نفس محمد بيده لوددت أني أغزو في سبيل الله فأقتل ثم أغزو فأقتل ثم أغزو فأقتل وحدثناه أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب قالا حدثنا ابن فضيل عن عمارة بهذا الإسناد

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                قوله صلى الله عليه وسلم : ( تضمن الله لمن خرج في سبيله لا يخرجه إلا جهادا - إلى قوله : - أن أدخله الجنة ) وفي الرواية الأخرى : ( تكفل الله ) ومعناهما : أوجب الله تعالى له الجنة بفضله وكرمه سبحانه وتعالى ، وهذا [ ص: 20 ] الضمان والكفالة موافق لقوله تعالى : إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة الآية .

                                                                                                                قوله سبحانه وتعالى : ( لا يخرجه إلا جهادا في سبيلي ) هكذا هو في جميع النسخ ( جهادا ) بالنصب ، وكذا قال بعده ( وإيمانا بي وتصديقا ) وهو منصوب على أنه مفعول له وتقديره : لا يخرجه المخرج ويحركه المحرك إلا للجهاد والإيمان والتصديق .

                                                                                                                قوله : ( لا يخرجه إلا جهادا في سبيلي وإيمانا بي وتصديقا برسلي ) معناه : لا يخرجه إلا محض الإيمان والإخلاص لله تعالى .

                                                                                                                قوله في الرواية الأخرى : ( وتصديق كلمته ) أي : كلمة الشهادتين ، وقيل : تصديق كلام الله في الإخبار بما للمجاهد من عظيم ثوابه .

                                                                                                                قوله تعالى : ( فهو علي ضامن ) ذكروا في ( ضامن ) هنا وجهين : أحدهما : أنه بمعنى " مضمون " كماء دافق ومدفوق ، والثاني : أنه بمعنى " ذو ضمان " .

                                                                                                                قوله تعالى : ( أن أدخله الجنة ) قال القاضي : يحتمل أن يدخل عند موته كما قال تعالى في الشهداء : أحياء عند ربهم يرزقون وفي الحديث : " أرواح الشهداء في الجنة " قال : ويحتمل أن يكون المراد دخوله الجنة عند دخول السابقين والمقربين بلا حساب ولا عذاب ولا مؤاخذة بذنب ، وتكون الشهادة مكفرة لذنوبه كما صرح به في الحديث الصحيح .

                                                                                                                قوله : ( أو أرجعه إلى مسكنه نائلا ما نال من أجر أو غنيمة ) قالوا : معناه ما حصل له من الأجر بلا غنيمة إن لم يغنم أو من الأجر والغنيمة معا إن غنموا وقيل : إن ( أو ) هنا بمعنى الواو ، أي : من أجر وغنيمة ، وكذا وقع بالواو في رواية أبي داود ، وكذا وقع في مسلم في رواية يحيى بن يحيى التي بعد هذه بالواو .

                                                                                                                ومعنى الحديث : أن الله تعالى ضمن أن الخارج للجهاد ينال خيرا بكل حال ، فإما أن يستشهد فيدخل الجنة ، وإما أن يرجع بأجر ، وإما أن يرجع بأجر وغنيمة .

                                                                                                                [ ص: 21 ] قوله صلى الله عليه وسلم : ( والذي نفس محمد بيده ، ما من كلم يكلم في سبيل الله إلا جاء يوم القيامة كهيئته حين كلم ، لونه لون دم وريحه مسك ) أما ( الكلم ) بفتح الكاف وإسكان اللام ، فهو : الجرح ، ويكلم بإسكان الكاف ، أي : يجرح ، وفيه دليل على أن الشهيد لا يزال عنه الدم بغسل ولا غيره ، والحكمة في مجيئه يوم القيامة على هيئته أن يكون معه شاهد فضيلته وبذله نفسه في طاعة الله تعالى ، وفيه دليل على جواز اليمين وانعقادها بقوله : ( والذي نفسي بيده ) ونحو هذه الصيغة من الحلف بما يدل على الذات ، ولا خلاف في هذا ، قال أصحابنا : اليمين تكون بأسماء الله تعالى وصفاته ، أو ما دل على ذاته ، قال القاضي : واليد هنا بمعنى القدرة والملك .

                                                                                                                قوله : ( والذي نفس محمد بيده لولا أن يشق على المسلمين ما قعدت خلاف سرية تغزو في سبيل الله ) أي : خلفها وبعدها . وفيه ما كان عليه صلى الله عليه وسلم من الشفقة على المسلمين والرأفة بهم ، وأنه كان يترك بعض ما يختاره للرفق بالمسلمين ، وأنه إذا تعارضت المصالح بدأ بأهمها . وفيه مراعاة الرفق بالمسلمين ، والسعي في زوال المكروه والمشقة عنهم .

                                                                                                                قوله : ( لوددت أني أغزو في سبيل الله فأقتل ، ثم أغزو فأقتل ، ثم أغزو فأقتل ) فيه فضيلة الغزو والشهادة ، وفيه : تمني الشهادة والخير ، وتمني ما لا يمكن في العادة من الخيرات ، وفيه أن الجهاد فرض كفاية لا فرض عين .




                                                                                                                الخدمات العلمية