الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                      صفحة جزء
                                                                                      الشاطبي

                                                                                      الشيخ الإمام ، العالم العامل ، القدوة ، سيد القراء أبو محمد ، وأبو القاسم القاسم بن فيره بن خلف بن أحمد الرعيني ، الأندلسي ، [ ص: 262 ] الشاطبي ، الضرير ، ناظم " الشاطبية " و " الرائية " .

                                                                                      من كناه أبا القاسم - كالسخاوي وغيره- لم يجعل له اسما سواها . والأكثرون على أنه أبو محمد القاسم .

                                                                                      وذكره أبو عمرو بن الصلاح في " طبقات الشافعية " .

                                                                                      ولد سنة ثمان وثلاثين وخمسمائة .

                                                                                      وتلا ببلده بالسبع على أبي عبد الله بن أبي العاص النفري ، ورحل إلى بلنسية ، فقرأ القراءات على أبي الحسن بن هذيل ، وعرض عليه " التيسير " ، وسمع منه الكتب ، ومن أبي الحسن ابن النعمة ، وأبي عبد الله ابن سعادة ، وأبي محمد بن عاشر ، وأبي عبد الله بن عبد الرحيم ، وعليم بن عبد العزيز . وارتحل للحج ، فسمع من أبي طاهر السلفي ، وغيره .

                                                                                      وكان يتوقد ذكاء . له الباع الأطول في فن القراءات والرسم والنحو والفقه والحديث ، وله النظم الرائق ، مع الورع والتقوى والتأله والوقار .

                                                                                      استوطن مصر ، وتصدر ، وشاع ذكره .

                                                                                      حدث عنه : أبو الحسن بن خيرة ، ومحمد بن يحيى الجنجالي ، وأبو بكر بن وضاح ، وأبو الحسن علي بن الجميزي ، وأبو محمد بن عبد الوارث قارئ مصحف الذهب .

                                                                                      وقرأ عليه بالسبع : أبو موسى عيسى بن يوسف المقدسي ، وعبد الرحمن بن سعيد الشافعي ، وأبو عبد الله محمد بن عمر القرطبي ، وأبو [ ص: 263 ] الحسن السخاوي ، والزين أبو عبد الله الكردي ، والسديد عيسى بن مكي ، والكمال علي شجاع ، وآخرون .

                                                                                      قال أبو شامة أخبرنا السخاوي : أن سبب انتقال الشاطبي من بلده أنه أريد على الخطابة ، فاحتج بالحج ، وترك بلده ، ولم يعد إليه تورعا مما كانوا يلزمون الخطباء من ذكرهم الأمراء بأوصاف لم يرها سائغة ، وصبر على فقر شديد ، وسمع من السلفي ، فطلبه القاضي الفاضل للإقراء بمدرسته ، فأجاب على شروط ، وزار بيت المقدس سنة سبع وثمانين وخمسمائة .

                                                                                      قال السخاوي : أقطع بأنه كان مكاشفا ، وأنه سأل الله كف حاله .

                                                                                      قال الأبار تصدر بمصر فعظم شأنه ، وبعد صيته ، انتهت إليه رياسة الإقراء ، وتوفي بمصر في الثامن والعشرين من جمادى الآخرة سنة تسعين وخمسمائة .

                                                                                      قلت : وله أولاد رووا عنه منهم أبو عبد الله محمد .

                                                                                      أخبرنا أبو الحسين الحافظ ببعلبك ، أخبرنا علي بن هبة الله ، أخبرنا الشاطبي ، أخبرنا ابن هذيل بحديث ذكرته في " التاريخ الكبير " .

                                                                                      وجاء عنه قال : لا يقرأ أحد قصيدتي هذه إلا وينفعه الله ، لأنني نظمتها لله .

                                                                                      وله قصيدة دالية نحو خمسمائة بيت ، من قرأها أحاط علما ب [ ص: 264 ] " التمهيد " لابن عبد البر .

                                                                                      وكان إذا قرئ عليه " الموطأ " و " الصحيحان " ، يصحح النسخ من حفظه ، حتى كان يقال : إنه يحفظ وقر بعير من العلوم .

                                                                                      قال ابن خلكان قيل : اسمه وكنيته واحد ، ولكن وجدت إجازات أشياخه له : أبو محمد القاسم . وكان نزيل القاضي الفاضل فرتبه بمدرسته لإقراء القرآن ، ولإقراء النحو واللغة ، وكان يتجنب فضول الكلام ، ولا ينطق إلا لضرورة ، ولا يجلس للإقراء إلا على طهارة .

                                                                                      التالي السابق


                                                                                      الخدمات العلمية