الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      قال المصنف - رحمه الله تعالى - ( وإذا شرط الخيار في البيع ففي ابتداء مدته وجهان ( أحدهما ) من حين العقد ، لأنها مدة ملحقة بالعقد ، فاعتبر ابتداؤها من حين العقد كالأجل ولأنه لو اعتبر من حين التفرق صار أول مدة الخيار مجهولا ، لأنه لا يعلم متى يفترقان ( والثاني ) أنه يعتبر من حين التفرق لأن ما قبل التفرق الخيار ثابت فيه بالشرع ، فلا يثبت فيه بشرط الخيار ( فإن قلنا ) إن ابتداءه من حين العقد فشرط أن يكون من حين التفرق بطل ، لأن وقت الخيار مجهول ، ولأنه يزيد الخيار على ثلاثة أيام ( وإن قلنا ) : إن ابتداءه من حين التفرق فشرط أن يكون من حين العقد ففيه وجهان ( أحدهما ) يصح ، لأن ابتداء الوقت معلوم ( والثاني ) لا يصح ، لأنه شرط ينافي موجب العقد فأبطله ) .

                                      التالي السابق


                                      ( الشرح ) قوله : مدة ملحقة بالعقد ، قال القلعي : هو احتراز من الاستبراء إذا قلنا : لا يحسب إلا بعد القبض أو بعد انقضاء الخيار . قال أصحابنا : إذا تبايعا بشرط الخيار ثلاثة أيام فما دونها ففي ابتداء مدته وجهان مشهوران ذكرهما المصنف بدليلهما ( أصحهما ) باتفاق الأصحاب : من حين العقد ( والثاني ) من حين انقطاع خيار المجلس إما بالتخاير وإما بالتفرق ، قال الروياني هذا اختيار ابن القطان وابن المرزبان ، والأول قول ابن الحداد ، وقول ابن الحداد هو الصحيح عند جميع المصنفين ، حتى قال الروياني : قول ابن القطان ليس بشيء . قال المصنف والأصحاب : ( فإن قلنا ) إنه من حين العقد فشرطاه من حين التفرق بطل البيع ، هذا هو المذهب ، وبه قطع المصنف والأصحاب في جميع الطرق .

                                      حكى إمام الحرمين عن حكاية صاحب التقريب وجها [ ص: 237 ] أنه يصح البيع والشرط ، وهذا شاذ مردود ( فإن قلنا ) من حين التفرق فشرطاه من حين العقد فوجهان مشهوران ذكرهما المصنف بدليلهما ( أحدهما ) يبطل البيع ( وأصحهما ) باتفاق الأصحاب لا يبطل ، ممن صححه صاحب الشامل والروياني وصاحب البيان والرافعي وآخرون . قال أصحابنا : ( فإن قلنا : ) ابتداء المدة من حين العقد فانقضت وهما مصطحبان فقد انقطع خيار الشرط ، وبقي خيار المجلس ، وإن تفرقا والمدة باقية فالحكم بالعكس ، ولو أسقطا أحد الخيارين سقط ولم يسقط الآخر ولو قالا : ألزمنا العقد أو أسقطنا الخيار سقطا جميعا ولزم البيع ، هذا تفريع كونه من العقد ( فأما ) إذا قلنا : من التفرق فإذا تفرقا انقطع خيار المجلس وابتدئ خيار الشرط ، وإن أسقطا الخيار قبل التفرق انقطع خيار المجلس ، وفي خيار الشرط وجهان حكاهما إمام الحرمين والبغوي وغيرهما ( أحدهما ) ينقطع لأن مقتضاهما واحد ( وأصحهما ) لا ينقطع لأنه غير ثابت في الحال ، فكيف يسقط ؟ والله تعالى أعلم .

                                      ( فرع ) لو شرطا الخيار بعد العقد وقبل التفرق ، وقلنا بصحته على الخلاف السابق ( فإن قلنا : ) ابتداء المدة من التفرق : لم يختلف الحكم ( وإن قلنا ) من العقد حسبت المدة هنا من حين الشرط لا من العقد ولا من التفرق ، والله أعلم .

                                      ( فرع ) إذا باع بثمن مؤجل ، ففي ابتداء وقت الأجل طريقان ( أصحهما ) وبه قطع المصنف والعراقيون وجماعة من غيرهم أنه من حين العقد وجها واحدا ( والثاني ) أنه مرتب على ابتداء مدة الخيار ، وإن جعلناها من العقد فالأجل أولى بذلك ( وإن قلنا : ) من التفرق ففي الأجل وجهان ، وهذا الطريق مشهور في كتب الخراسانيين ، وممن ذكره منهم القاضي حسين وأبو علي السنجي وإمام الحرمين والغزالي وغيرهم ، وجمع القاضي حسين وغيره المسألتين فقالوا : في ابتداء مدة الخيار والأجل ثلاثة [ ص: 238 ] أوجه ( أصحهما ) من حين العقد فيهما ( والثاني ) من حين التفرق ( والثالث ) الأجل من العقد والخيار من التفرق ، وفرقوا بينهما بأن الأجل ليس من جنس خيار المجلس ، فكان اجتماعهما أقرب بخلاف الشرط . قال إمام الحرمين : ( فإن قيل : ) لا وجه لقول من قال : يحسب الأجل من التفرق وقلنا : الخيار يمنع المطالبة بالثمن كالأجل ، فكان قريبا ، والخيار في التحقيق تأجيل لإلزام الملك أو نقله والأجل تأخير المطالبة ، قال الإمام : ومن قال بتأخير الأجل عن العقد وعن خيار المجلس فقياسه أنه إذا باع بشرط خيار ثلاثة أيام ، وبشرط الأجل أن يفسخ أول الأجل بعد انقضاء خيار الثلاث ، لأنه عنده في معناه ، ولا سبيل إلى الجمع بين المثلين ، هذا كلام الإمام . والمذهب أن الأجل من العقد سواء شرط خيار الثلاث أم لا ، والله أعلم . قال الغزالي في الوسيط : ( أما ) مدة الإجازة إذا قلنا : يثبت فيها خيار الشرط ففي ابتدائها هذا الخلاف المذكور في الأجل ، قال : والأصح أنها من العقد والله أعلم .




                                      الخدمات العلمية