الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        بسم الله الرحمن الرحيم باب من اغتسل عريانا وحده في الخلوة ومن تستر فالتستر أفضل وقال بهز بن حكيم عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم الله أحق أن يستحيا منه من الناس

                                                                                                                                                                                                        274 حدثنا إسحاق بن نصر قال حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن همام بن منبه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال كانت بنو إسرائيل يغتسلون عراة ينظر بعضهم إلى بعض وكان موسى صلى الله عليه وسلم يغتسل وحده فقالوا والله ما يمنع موسى أن يغتسل معنا إلا أنه آدر فذهب مرة يغتسل فوضع ثوبه على حجر ففر الحجر بثوبه فخرج موسى في إثره يقول ثوبي يا حجر حتى نظرت بنو إسرائيل إلى موسى فقالوا والله ما بموسى من بأس وأخذ ثوبه فطفق بالحجر ضربا فقال أبو هريرة والله إنه لندب بالحجر ستة أو سبعة ضربا بالحجر [ ص: 459 ]

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        [ ص: 459 ] قوله : ( باب من اغتسل عريانا وحده في خلوة ) أي من الناس وهو تأكيد لقوله " وحده " ودل قوله " أفضل " على الجواز وعليه أكثر العلماء وخالف فيه ابن أبي ليلى وكأنه تمسك بحديث يعلى بن أمية مرفوعا " إذا اغتسل أحدكم فليستتر " قاله لرجل رآه يغتسل عريانا وحده رواه أبو داود وللبزار نحوه من حديث ابن عباس مطولا .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وقال بهز ) زاد الأصيلي " ابن حكيم " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( عن جده ) هو معاوية بن حيدة بحاء مهملة وياء تحتانية ساكنة صحابي معروف .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( أن يستحيى منه من الناس ) كذا لأكثر الرواة وللسرخسي " أحق أن يستتر منه " وهذا بالمعنى وقد أخرجه أصحاب السنن وغيرهم من طرق عن بهز وحسنه الترمذي وصححه الحاكم وقال ابن أبي شيبة " حدثنا يزيد بن هارون حدثنا بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال : قلت يا نبي الله عوراتنا ما نأتي منها وما نذر ؟ قال : احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك . قلت : يا رسول الله أحدنا إذا كان خاليا ؟ قال : الله أحق أن يستحيى منه من الناس " فالإسناد إلى بهز صحيح ولهذا جزم به البخاري وأما بهز وأبوه فليسا من شرطه ولهذا لما علق في النكاح شيئا من حديث جد بهز لم يجزم به بل قال " ويذكر عن معاوية بن حيدة " فعرف من هذا أن مجرد جزمه بالتعليق لا يدل على صحة الإسناد إلا إلى من علق عنه وأما ما فوقه فلا يدل وقد حققت ذلك فيما كتبته على ابن الصلاح وذكرت له أمثلة وشواهد ليس هذا موضع بسطها .

                                                                                                                                                                                                        وعرف من سياق الحديث أنه وارد في كشف العورة بخلاف ما قال أبو عبد الملك البوني : إن المراد بقوله " أحق أن يستحيى منه " أي فلا يعصى . ومفهوم قوله " إلا من زوجتك " يدل على أنه يجوز لها النظر إلى ذلك منه وقياسه أنه يجوز له النظر ويدل أيضا على أنه لا يجوز النظر لغير من استثنى ومنه الرجل للرجل والمرأة للمرأة وفيه حديث في صحيح مسلم .

                                                                                                                                                                                                        ثم إن ظاهر حديث بهز يدل على أن التعري في الخلوة غير جائز مطلقا لكن استدل المصنف على جوازه في الغسل بقصة موسى وأيوب عليهما السلام ووجه الدلالة منه - على ما قال ابن بطال - أنهما ممن أمرنا بالاقتداء به وهذا إنما يأتي على رأي من يقول : شرع من قبلنا شرع لنا .

                                                                                                                                                                                                        والذي يظهر أن وجه الدلالة منه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قص القصتين ولم يتعقب شيئا منهما فدل على موافقتهما لشرعنا وإلا فلو كان فيهما شيء غير موافق لبينه فعلى هذا فيجمع بين الحديثين [ ص: 460 ] بحمل حديث بهز بن حكيم على الأفضل وإليه أشار في الترجمة ورجح بعض الشافعية تحريمه والمشهور عند متقدميهم كغيرهم الكراهة فقط .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( كانت بنو إسرائيل ) أي جماعتهم وهو كقوله تعالى قالت الأعراب آمنا .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( يغتسلون عراة ) ظاهره أن ذلك كان جائزا في شرعهم وإلا لما أقرهم موسى على ذلك وكان هو عليه السلام يغتسل وحده أخذا بالأفضل . وأغرب ابن بطال فقال : هذا يدل على أنهم كانوا عصاة له وتبعه على ذلك القرطبي فأطال في ذلك .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( آدر ) بالمد وفتح الدال المهملة وتخفيف الراء قال الجوهري : الأدرة نفخة في الخصية وهي بفتحات وحكي بضم أوله وإسكان الدال .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فجمح موسى ) أي جرى مسرعا وفي رواية " فخرج " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( ثوبي يا حجر ) أي أعطني وإنما خاطبه ; لأنه أجراه مجرى من يعقل لكونه فر بثوبه فانتقل عنده من حكم الجماد إلى حكم الحيوان فناداه فلما لم يعطه ضربه . وقيل يحتمل أن يكون موسى أراد بضربه إظهار المعجزة بتأثير ضربه فيه ويحتمل أن يكون عن وحي .

                                                                                                                                                                                                        ) قوله : ( حتى نظرت ) ظاهره أنهم رأوا جسده وبه يتم الاستدلال على جواز النطر عند الضرورة لمداواة وشبهها وأبدى ابن الجوزي احتمال أن يكون كان عليه مئزر ; لأنه يظهر ما تحته بعد البلل واستحسن ذلك ناقلا له عن بعض مشايخه وفيه نظر .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فطفق بالحجر ضربا ) كذا لأكثر الرواة وللكشميهني والحموي " فطفق الحجر ضربا " والحجر على هذا منصوب بفعل مقدر أي طفق يضرب الحجر ضربا .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( قال أبو هريرة ) هو من تتمة مقول همام وليس بمعلق .

                                                                                                                                                                                                        ) قوله : ( لندب ) بالنون والدال المهملة المفتوحتين وهو الأثر وسيأتي بقية الكلام على هذا الحديث في أحاديث الأنبياء إن شاء الله تعالى .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية