الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                باب استحباب خلط الأزواد إذا قلت والمؤاساة فيها

                                                                                                                1729 حدثني أحمد بن يوسف الأزدي حدثنا النضر يعني ابن محمد اليمامي حدثنا عكرمة وهو ابن عمار حدثنا إياس بن سلمة عن أبيه قال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة فأصابنا جهد حتى هممنا أن ننحر بعض ظهرنا فأمر نبي الله صلى الله عليه وسلم فجمعنا مزاودنا فبسطنا له نطعا فاجتمع زاد القوم على النطع قال فتطاولت لأحزره كم هو فحزرته كربضة العنز ونحن أربع عشرة مائة قال فأكلنا حتى شبعنا جميعا ثم حشونا جربنا فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم فهل من وضوء قال فجاء رجل بإداوة له فيها نطفة فأفرغها في قدح فتوضأنا كلنا ندغفقه دغفقة أربع عشرة مائة قال ثم جاء بعد ذلك ثمانية فقالوا هل من طهور فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فرغ الوضوء

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                قوله : ( خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة فأصابنا جهد حتى هممنا أن ننحر بعض ظهرنا ، فأمر نبي الله صلى الله عليه وسلم فجمعنا مزاودنا فبسطنا له نطعا فاجتمع زاد القوم على النطع ، قال : فتطاولت لأحزره كم هو ؟ فحزرته كربضة العنز ، ونحن أربع عشرة مائة ، قال : فأكلنا حتى شبعنا جميعا ثم حشونا جربنا ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هل من وضوء ؟ فجاء رجل بإداوة فيها نطفة ، فأفرغها في قدح فتوضأنا كلنا ندغفقه دغفقة أربع عشرة مائة ، قال : ثم جاء بعد ثمانية فقالوا : هل من طهور ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فرغ الوضوء ) أما قوله : ( جهد ) فبفتح الجيم ، وهو : المشقة ، وقوله : ( مزاودنا ) هكذا هو في بعض النسخ أو أكثرها وفي بعضها : ( أزوادنا ) وفي بعضها ( تزاودنا ) بفتح التاء وكسرها ، وفي النطع لغات سبقت ، أفصحهن كسر النون وفتح الطاء . وقوله : ( كربضة العنز ) أي : كمبركها أو كقدرها وهي رابضة ، قال القاضي : الرواية فيه بفتح الراء ، وحكاه ابن دريد بكسرها .

                                                                                                                قوله : ( حشونا جربنا ) هو بضم الراء وإسكانها ، جمع جراب بكسر الجيم على المشهور ، ويقال بفتحها .

                                                                                                                قوله صلى الله عليه وسلم : ( هل من وضوء ) أي ما يتوضأ به وهو بفتح الواو على المشهور ، وحكي ضمها ، وسبق بيانه في كتاب الطهارة .

                                                                                                                قوله : ( فيها نطفة ) هو بضم النون ، أي : قليل من الماء .

                                                                                                                قوله : ( ندغفقه دغفقة ) أي : نصبه صبا شديدا .

                                                                                                                وفي هذا الحديث : معجزتان ظاهرتان لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهما تكثير الطعام وتكثير الماء هذه الكثرة الظاهرة ، قال المازري في تحقيق المعجزة في هذا أنه كلما أكل منه جزء أو شرب جزء خلق الله تعالى جزءا آخر يخلفه ، قال : ومعجزات النبي صلى الله عليه وسلم ضربان أحدهما ، القرآن ، وهو منقول تواترا . والثاني مثل تكثير الطعام والشراب ، ونحو ذلك ، ولك فيه طريقان أحدهما : أن تقول تواترت على المعنى كتواتر جود [ ص: 396 ] حاتم طيء وحلم الأحنف بن قيس ، فإنه لا ينقل في ذلك قصة بعينها متواترة ، ولكن تكاثرت أفرادها بالآحاد ، حتى أفاد مجموعها تواتر الكرم والحلم ، وكذلك تواتر انخراق العادة للنبي صلى الله عليه وسلم بغير القرآن . والطريق الثاني : أن تقول : إذا روى الصحابي مثل هذا الأمر العجيب ، وأحال على حضوره فيه مع سائر الصحابة ، وهم يسمعون روايته ودعواه ، أو بلغهم ذلك ولا ينكرون عليه ، كان ذلك تصديقا له يوجب العلم بصحة ما قال . والله أعلم .

                                                                                                                وفي هذا الحديث : استحباب المواساة في الزاد وجمعه عند قلته ، وجواز أكل بعضهم مع بعض في هذه الحالة ، وليس هذا من الربا في شيء ، وإنما هو من نحو الإباحة ، وكل واحد مبيح لرفقته الأكل من طعامه ، وسواء تحقق الإنسان أنه أكل أكثر من حصته أو دونها أو مثلها فلا بأس بهذا ، لكن يستحب له الإيثار والتقلل ، لا سيما إن كان في الطعام قلة . والله أعلم .




                                                                                                                الخدمات العلمية