الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                باب يمين الحالف على نية المستحلف

                                                                                                                1653 حدثنا يحيى بن يحيى وعمرو الناقد قال يحيى أخبرنا هشيم بن بشير عن عبد الله بن أبي صالح وقال عمرو حدثنا هشيم بن بشير أخبرنا عبد الله بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يمينك على ما يصدقك عليه صاحبك وقال عمرو يصدقك به صاحبك

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                قوله صلى الله عليه وسلم : يمينك على ما يصدقك عليه صاحبك وفي رواية : " اليمين على نية المستحلف " المستحلف بكسر اللام .

                                                                                                                وهذا الحديث محمول على الحلف باستحلاف القاضي ، فإذا ادعى رجل على رجل حقا فحلفه القاضي فحلف وورى فنوى غير ما نوى القاضي ، انعقدت يمينه على ما نواه القاضي ولا تنفعه التورية ، وهذا مجمع عليه ، ودليله هذا الحديث والإجماع .

                                                                                                                فأما إذا حلف بغير استحلاف القاضي وورى تنفعه التورية ، ولا يحنث ، سواء حلف ابتداء من غير تحليف ، أو حلفه غير القاضي وغير نائبه في ذلك ، ولا اعتبار بنية المستحلف غير القاضي ، وحاصله أن اليمين على نية الحالف في كل الأحوال إلا إذا استحلفه القاضي أو نائبه في دعوى توجهت عليه ، فتكون على نية المستحلف ، وهو مراد الحديث .

                                                                                                                أما إذا حلف عند القاضي من غير استحلاف القاضي في دعوى ، فالاعتبار بنية الحالف ، وسواء في هذا كله اليمين بالله تعالى ، أو بالطلاق والعتاق ، إلا أنه إذا حلفه القاضي بالطلاق والعتاق ، وإنما يستحلف بالله تعالى .

                                                                                                                واعلم أن التورية وإن كان لا يحنث بها ، فلا يجوز فعلها حيث يبطل بها حق مستحق ، وهذا مجمع عليه .

                                                                                                                هذا تفصيل مذهب الشافعي وأصحابه ، ونقل القاضي عياض عن مالك وأصحابه في ذلك اختلافا وتفصيلا ، فقال : لا خلاف بين العلماء أن الحالف من غير استحلاف ومن غير تعلق حق بيمينه له نيته ، ويقبل قوله ، وأما إذا حلف لغيره في حق أو وثيقة متبرعا أو بقضاء عليه ، فلا خلاف أنه يحكم عليه بظاهر يمينه سواء حلف متبرعا [ ص: 281 ] باليمين أو باستحلاف ، وأما فيما بينه وبين الله تعالى فقيل : اليمين على نية المحلوف له ، وقيل : على نية الحالف ، وقيل : إن كان مستحلفا فعلى نية المحلوف له ، وإن كان متبرعا باليمين فعلى نية الحالف ، وهذا قول عبد الملك وسحنون ، وهو ظاهر قول مالك وابن القاسم ، وقيل : تنفعه نيته فيما لا يقضى به عليه ، ويفترق التبرع وغيره فيما يقضى به عليه ، وهذا مروي عن ابن القاسم أيضا ، وحكي عن مالك أن ما كان من ذلك على وجه المكر والخديعة فهو فيه آثم حانث ، وما كان على وجه العذر فلا بأس به ، وقال ابن حبيب عن مالك : ما كان على وجه المكر والخديعة فله نيته ، وما كان في حق فهو على نية المحلوف له . قال القاضي : ولا خلاف في إثم الحالف بما يقع به حق غيره وإن ورى . والله أعلم .




                                                                                                                الخدمات العلمية