الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                باب كراهة تفضيل بعض الأولاد في الهبة

                                                                                                                1623 حدثنا يحيى بن يحيى قال قرأت على مالك عن ابن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن وعن محمد بن النعمان بن بشير يحدثانه عن النعمان بن بشير أنه قال إن أباه أتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إني نحلت ابني هذا غلاما كان لي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أكل ولدك نحلته مثل هذا فقال لا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فارجعه

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                قوله : ( عن النعمان بن بشير أن أباه أتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إني نحلت ابني هذا غلاما كان لي ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أكل ولدك نحلته مثل هذا ؟ قال : لا . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فارجعه ) وفي رواية : قال : ( فاردده ) وفي رواية : ( فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : أفعلت هذا بولدك كلهم ؟ قال : لا . قال : اتقوا الله ، واعدلوا في أولادكم ، قال : فرجع أبي فرد تلك [ ص: 238 ] الصدقة ) وفي رواية قال : ( فلا تشهدني إذا ، فإني لا أشهد على جور ) وفي رواية ( لا تشهدني على جور ) وفي رواية قال : ( فأشهد على هذا غيري ) وفي رواية قال : ( فإني لا أشهد ) وفي رواية قال : ( فليس يصلح هذا ، وإني لا أشهد إلا على حق ) .

                                                                                                                [ ص: 239 ] أما قوله : ( نحلت ) فمعناه : وهبت وفي هذا الحديث : أنه ينبغي أن يسوي بين أولاده في الهبة ، ويهب لكل واحد منهم مثل الآخر ولا يفضل . ويسوي بين الذكر والأنثى ، وقال بعض أصحابنا : يكون للذكر مثل حظ الأنثيين ، والصحيح المشهور أنه يسوي بينهما لظاهر الحديث ، فلو فضل بعضهم ، أو وهب لبعضهم دون بعض ، فمذهب الشافعي ومالك وأبي حنيفة أنه مكروه وليس بحرام ، والهبة صحيحة ، وقال طاوس وعروة ومجاهد والثوري وأحمد وإسحاق وداود : هو حرام ، واحتجوا برواية : ( لا أشهد على جور ) وبغيرها من ألفاظ الحديث واحتج الشافعي وموافقوه بقوله صلى الله عليه وسلم : ( فأشهد على هذا غيري ) قالوا : ولو كان حراما أو باطلا لما قال هذا الكلام ، فإن قيل : قاله تهديدا ، قلنا : الأصل في كلام الشارع غير هذا ، ويحتمل عند إطلاقه صيغة أفعل على الوجوب أو الندب ، فإن تعذر ذلك فعلى الإباحة ، وأما قوله صلى الله عليه وسلم : ( لا أشهد على جور ) فليس فيه أنه حرام ; لأن الجور هو : الميل عن الاستواء والاعتدال ، وكل ما خرج عن الاعتدال فهو جور ، سواء كان حراما أو مكروها ، وقد وضح بما قدمناه أن قوله صلى الله عليه وسلم : ( أشهد على هذا غيري ) يدل على أنه ليس بحرام ، فيجب تأويل الجور على أنه مكروه كراهة تنزيه . وفي هذا الحديث : أن هبة بعض الأولاد دون بعض صحيحة ، وأنه إن لم يهب الباقين مثل هذا استحب رد الأول ، قال أصحابنا : يستحب أن يهب الباقين مثل الأول فإن لم يفعل استحب رد الأول ، ولا يجب .

                                                                                                                وفيه جواز رجوع الوالد في هبته للولد . والله أعلم .

                                                                                                                قوله : ( سألت أباه بعض الموهوبة ) هكذا هو في معظم النسخ ، وفي بعضها : ( بعض الموهبة ) وكلاهما صحيح ، وتقدير الأول : بعض الأشياء الموهوبة .




                                                                                                                الخدمات العلمية