الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        باب هل يشير الإمام بالصلح

                                                                                                                                                                                                        2558 حدثنا إسماعيل بن أبي أويس قال حدثني أخي عن سليمان عن يحيى بن سعيد عن أبي الرجال محمد بن عبد الرحمن أن أمه عمرة بنت عبد الرحمن قالت سمعت عائشة رضي الله عنها تقول سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم صوت خصوم بالباب عالية أصواتهما وإذا أحدهما يستوضع الآخر ويسترفقه في شيء وهو يقول والله لا أفعل فخرج عليهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أين المتألي على الله لا يفعل المعروف فقال أنا يا رسول الله وله أي ذلك أحب

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        قوله : ( باب هل يشير الإمام بالصلح ) أشار بهذه الترجمة إلى الخلاف ، فإن الجمهور استحبوا للحاكم أن يشير بالصلح وإن اتجه الحق لأحد الخصمين ، ومنع من ذلك بعضهم وهو عن المالكية ، وزعم ابن التين أنه ليست في حديثي الباب ما ترجم به وإنما فيه الحض على ترك بعض الحق ، وتعقب بأن الإشارة بذلك بمعنى الصلح ، على أن المصنف ما جزم بذلك فكيف يعترض عليه .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( حدثنا إسماعيل بن أبي أويس حدثني أخي ) هو أبو بكر عبد الحميد ، وسليمان هو ابن بلال ، ويحيى بن سعيد هو الأنصاري ، وأبو الرجال بالجيم محمد بن عبد الرحمن أي ابن حارثة بن النعمان الأنصاري كنيته أبو عبد الرحمن ، وقيل له أبو الرجال لأنه ولد له عشرة ذكور ، وهو من صغار التابعين ، وكذا الراوي عنه ; والإسناد كله مدنيون ، وفيه ثلاثة من التابعين في نسق منهم قرينان . وهذا الحديث أخرجه مسلم قال [ ص: 363 ] : " حدثنا غير واحد عن إسماعيل بن أبي أويس " فعده بعضهم في المنقطع ، والتحقيق أنه متصل في إسناده مبهم ، وقد رواه عن إسماعيل أيضا محمد بن يحيى الذهلي أخرجه أبو عوانة والإسماعيلي وغيرهما من طريقه ، وأخرجه أبو عوانة أيضا من طريق إبراهيم بن الحسين الكسائي وإسماعيل بن إسحاق القاضي ، ورويناه في " المحامليات " عن عبد الله بن شبيب ، فيحتمل أن يفسر من أبهمه مسلم بهؤلاء أو بعضهم ، ولم ينفرد به إسماعيل بل تابعه أيوب بن سفيان عن أبي بكر بن أبي أويس أخرجه الإسماعيلي أيضا ، ولا انفرد به يحيى بن سعيد فقد أخرجه ابن حبان من طريق عبد الرحمن بن أبي الرجال عن أبيه .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صوت خصوم بالباب عالية أصواتهم ) في رواية " أصواتهما " ، وكأنه جمع باعتبار من حضر الخصومة وثنى باعتبار الخصمين ، أو كأن التخاصم من الجانبين بين جماعة فجمع ثم ثنى باعتبار جنس الخصم ، وليس فيه حجة لمن جوز صيغة الجمع بالاثنين كما زعم بعض الشراح ، ويجوز في قوله : " عالية " الجر على الصفة والنصب على الحال .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وإذا أحدهما يستوضع الآخر ) أي يطلب منه الوضيعة ، أي الحطيطة من الدين .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( ويسترفقه ) أي يطلب منه الرفق به . وقوله : ( في شيء ) وقع بيانه في رواية ابن حبان فقال في أول الحديث " دخلت امرأة على النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت : إني ابتعت أنا وابني من فلان تمرا فأحصيناه . لا والذي أكرمك بالحق ما أحصينا منه إلا ما نأكله في بطوننا أو نطعمه مسكينا ، وجئنا نستوضعه ما نقصنا " الحديث ، فظهر بهذا ترجيح ثاني الاحتمالين المذكورين قبل ، وأن المخاصمة وقعت بين البائع وبين المشتريين ولم أقف على تسمية واحد منهم ، وأما تجويز بعض الشراح أن المتخاصمين هما المذكوران في الحديث الذي يليه ففيه بعد لتغاير القصتين ، وعرف بهذه الزيادة أصل القصة .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( أين المتألي ) بضم الميم وفتح المثناة والهمزة وتشديد اللام المكسورة أي الحالف المبالغ في اليمين ، مأخوذ من الألية بفتح الهمزة وكسر اللام وتشديد التحتانية وهي اليمين ، وفي رواية ابن حبان " فقال : آلى أن لا يصنع خيرا ثلاث مرات فبلغ ذلك صاحب التمر " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فله أي ذلك أحب ) أي من الوضع أو الرفق ، وفي رواية ابن حبان : " فقال إن شئت وضعت ما نقصوا إن شئت من رأس المال ، فوضع ما نقصوا " وهو يشعر بأن المراد بالوضع الحط من رأس المال ، وبالرفق الاقتصار عليه وترك الزيادة ، لا كما زعم بعض الشراح أنه يريد بالرفق الإمهال ، وفي هذا الحديث الحض على الرفق بالغريم والإحسان إليه بالوضع عنه ، والزجر عن الحلف على ترك فعل الخير ، قال الداودي : إنما كره ذلك لكونه حلف على ترك أمر عسى أن يكون قد قدر الله وقوعه ، وعن المهلب نحوه ، وتعقبه ابن التين بأنه لو كان كذلك لكره الحلف لمن حلف ليفعلن خيرا ، وليس كذلك بل الذي يظهر أنه كره له قطع نفسه عن فعل الخير ، قال : ويشكل في هذا قوله - صلى الله عليه وسلم - للأعرابي الذي قال : والله لا أزيد على هذا ولا أنقص : " أفلح إن صدق " ولم ينكر عليه حلفه على ترك الزيادة وهي من فعل الخير ، ويمكن الفرق بأنه في قصة الأعرابي كان في مقام الدعاء إلى الإسلام والاستمالة إلى الدخول فيه فكان يحرص على ترك [ ص: 364 ] تحريضهم على ما فيه نوع مشقة مهما أمكن ، بخلاف من تمكن في الإسلام فيحضه على الازدياد من نوافل الخير . وفيه سرعة فهم الصحابة لمراد الشارع ، وطواعيتهم لما يشير به ، وحرصهم على فعل الخير ، وفيه الصفح عما يجري بين المتخاصمين من اللغط ورفع الصوت عند الحاكم . وفيه جواز سؤال المدين الحطيطة من صاحب الدين خلافا لمن كرهه من المالكية واعتل بما فيه من تحمل المنة . وقال القرطبي : لعل من أطلق كراهته أراد أنه خلاف الأولى . وفيه هبة المجهول ، كذا قال ابن التين ، وفيه نظر لما قدمناه من رواية ابن حبان والله أعلم .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية