الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( أفمن يمشي مكبا على وجهه أهدى أمن يمشي سويا على صراط مستقيم ( 22 ) )

يقول تعالى ذكره : ( أفمن يمشي ) أيها الناس ( مكبا على وجهه ) لا يبصر ما بين يديه ، وما عن يمينه وشماله ( أهدى ) : أشد استقامة على الطريق ، وأهدى له ، ( أمن يمشي سويا ) مشي بني آدم على قدميه ( على صراط مستقيم ) يقول : على طريق لا اعوجاج فيه; وقيل ( مكبا ) لأنه فعل غير واقع ، وإذا لم يكن واقعا أدخلوا فيه الألف ، فقالوا : أكب فلان على وجهه ، فهو مكب ; ومنه قول الأعشى :


مكبا على روقيه يحفر عرقها على ظهر عريان الطريقة أهيما



فقال : مكبا ، لأنه فعل غير واقع ، فإذا كان واقعا حذفت منه الألف ، فقيل : [ ص: 516 ] كببت فلانا على وجهه ، وكبه الله على وجهه .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : ( أفمن يمشي مكبا على وجهه أهدى أمن يمشي سويا على صراط مستقيم ) يقول : من يمشي في الضلالة أهدى ، أم من يمشي مهتديا؟ .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ; وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : ( مكبا على وجهه ) قال : في الضلالة ( أمن يمشي سويا على صراط مستقيم ) قال : حق مستقيم .

حدثنا عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : ثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : ( أفمن يمشي مكبا على وجهه ) يعني : الكافر أهدى ( أمن يمشي سويا ) المؤمن؟ ضرب الله مثلا لهما .

وقال آخرون : بل عنى بذلك أن الكافر يحشره الله يوم القيامة على وجهه ، فقال : ( أفمن يمشي مكبا على وجهه ) يوم القيامة ( أهدى أمن يمشي سويا ) يومئذ .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : ( أفمن يمشي مكبا على وجهه أهدى ) "هو الكافر أكب على معاصي الله في الدنيا ، حشره الله يوم القيامة على وجهه ، فقيل : يا نبي الله كيف يحشر الكافر على وجهه؟ قال : "إن الذي أمشاه على رجليه قادر أن يحشره يوم القيامة على وجهه "

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ( أفمن يمشي مكبا على وجهه ) قال : هو الكافر يعمل بمعصية الله ، فيحشره الله يوم القيامة على وجهه . قال معمر : قيل للنبي صلى الله عليه وسلم : كيف يمشون على وجوههم؟ قال : "إن الذي أمشاهم على أقدامهم قادر على أن يمشيهم على وجوههم"

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ( يمشي سويا على صراط مستقيم ) قال : المؤمن عمل بطاعة الله ، فيحشره الله على طاعته .

التالي السابق


الخدمات العلمية