الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ( يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا واسمعوا وللكافرين عذاب أليم ( 104 ) ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين أن ينزل عليكم من خير من ربكم والله يختص برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم ( 105 ) )

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا ) وذلك أن المسلمين كانوا يقولون راعنا يا رسول الله ، من المراعاة أي أرعنا سمعك ، أي فرغ سمعك لكلامنا ، يقال : أرعى إلى الشيء ، ورعاه ، وراعاه ، أي أصغى إليه واستمعه ، وكانت هذه اللفظة ( شيئا ) قبيحا بلغة اليهود ، وقيل : كان معناها عندهم : اسمع لا سمعت .

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل : هي من الرعونة إذا أرادوا أن يحمقوا إنسانا قالوا له : راعنا بمعنى يا أحمق! فلما سمع اليهود هذه اللفظة من المسلمين قالوا فيما بينهم : كنا نسب محمدا سرا ، فأعلنوا به الآن ، فكانوا يأتونه ويقولون : راعنا يا محمد ، ويضحكون فيما بينهم ، فسمعها سعد بن معاذ ففطن لها ، وكان يعرف لغتهم ، فقال لليهود : لئن سمعتها من أحدكم يقولها لرسول صلى الله عليه وسلم لأضربن عنقه ، فقالوا : أولستم تقولونها ؟ فأنزل الله تعالى ( لا تقولوا راعنا ) [ ص: 133 ] كيلا يجد اليهود بذلك سبيلا إلى شتم رسول الله صلى الله عليه وسلم ( وقولوا انظرنا ) أي انظر إلينا وقيل : انتظرنا وتأن بنا ، يقال : نظرت فلانا وانتظرته ، ومنه قوله تعالى " انظرونا نقتبس من نوركم 13 - الحديد ) قال مجاهد : معناها ( فهمناه ) ( واسمعوا ) ما تؤمرون به وأطيعوا ( وللكافرين ) يعني اليهود ( عذاب أليم )

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : ( ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ) وذلك أن المسلمين كانوا إذا قالوا لحلفائهم من اليهود : آمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم قالوا : ما هذا الذي تدعوننا إليه بخير مما نحن فيه ولوددنا لو كان خيرا ، فأنزل الله تكذيبا لهم ( ما يود الذين ) أي ما يحب ويتمنى الذين كفروا من أهل الكتاب يعني اليهود ( ولا المشركين ) جره بالنسق على من ( أن ينزل عليكم من خير من ربكم ) أي خير ونبوة ، ومن صلة ( والله يختص برحمته ) بنبوته ( من يشاء والله ذو الفضل العظيم ) والفضل ابتداء إحسان بلا علة .

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل : المراد بالرحمة الإسلام والهداية وقيل : معنى الآية إن الله تعالى بعث الأنبياء من ولد إسحاق فلما بعث النبي صلى الله عليه وسلم من ولد إسماعيل لم يقع ذلك بود اليهود ومحبتهم ، ( فنزلت الآية ) وأما المشركون فإنما لم تقع بودهم لأنه جاء بتضليلهم وعيب آلهتهم .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية