الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        باب قبول الهدية من المشركين وقال أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم هاجر إبراهيم عليه السلام بسارة فدخل قرية فيها ملك أو جبار فقال أعطوها آجر وأهديت للنبي صلى الله عليه وسلم شاة فيها سم وقال أبو حميد أهدى ملك أيلة للنبي صلى الله عليه وسلم بغلة بيضاء وكساه بردا وكتب له ببحرهم

                                                                                                                                                                                                        2473 حدثنا عبد الله بن محمد حدثنا يونس بن محمد حدثنا شيبان عن قتادة حدثنا أنس رضي الله عنه قال أهدي للنبي صلى الله عليه وسلم جبة سندس وكان ينهى عن الحرير فعجب الناس منها فقال والذي نفس محمد بيده لمناديل سعد بن معاذ في الجنة أحسن من هذا وقال سعيد عن قتادة عن أنس إن أكيدر دومة أهدى إلى النبي صلى الله عليه وسلم [ ص: 272 ]

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        [ ص: 272 ] قوله : ( باب قبول الهدية من المشركين ) أي جواز ذلك وكأنه أشار إلى ضعف الحديث الوارد في رد هدية المشرك وهو ما أخرجه موسى بن عقبة في المغازي عن ابن شهاب عن عبد الرحمن بن كعب [ ص: 273 ] بن مالك ورجال من أهل العلم " أن عامر بن مالك الذي يدعى ملاعب الأسنة قدم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو مشرك فأهدى له فقال إني لا أقبل هدية مشرك " الحديث رجاله ثقات ، إلا أنه مرسل ، وقد وصله بعضهم عن الزهري ولا يصح .

                                                                                                                                                                                                        وفي الباب حديث عياض بن حماد أخرجه أبو داود والترمذي وغيرهما من طريق قتادة عن يزيد بن عبد الله عن عياض قال : أهديت للنبي - صلى الله عليه وسلم - ناقة فقال : أسلمت ؟ قلت : لا . قال : إني نهيت عن زبد المشركين والزبد بفتح الزاي وسكون الموحدة الرفد صححه الترمذي وابن خزيمة . وأورد المصنف عدة أحاديث دالة على الجواز فجمع بينها الطبري بأن الامتناع فيما أهدي له خاصة والقبول فيما أهدي للمسلمين ، وفيه نظر لأن من جملة أدلة الجواز ما وقعت الهدية فيه له خاصة ، وجمع غيره بأن الامتناع في حق من يريد بهديته التودد والموالاة ، والقبول في حق من يرجى بذلك تأنيسه وتأليفه على الإسلام وهذا أقوى من الأول . وقيل يحمل القبول على من كان من أهل الكتاب ، والرد على من كان من أهل الأوثان . وقيل يمتنع ذلك لغيره من الأمراء ، وأن ذلك من خصائصه . ومنهم من ادعى نسخ المنع بأحاديث القبول ، ومنهم من عكس . وهذه الأجوبة الثلاثة ضعيفة فالنسخ لا يثبت بالاحتمال ولا التخصيص .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وقال أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم : هاجر إبراهيم عليه الصلاة والسلام بسارة ) الحديث أورده مختصرا وسيأتي موصولا مع الكلام عليه في أحاديث الأنبياء . ووجه الدلالة منه ظاهر وهو مبني على أن شرع من قبلنا شرع لنا ما لم يرد في شرعنا ما يخالفه ولا سيما إذا لم يرد من شرعنا إنكاره .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وأهديت للنبي - صلى الله عليه وسلم - شاة فيها سم ذكره موصولا في هذا الباب .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وقال أبو حميد أهدى ملك أيلة ) بفتح الهمزة وسكون التحتانية بلد معروف بساحل البحر في طريق المصريين إلى مكة وهي الآن خراب وقد تقدم الحديث مطولا في الزكاة .

                                                                                                                                                                                                        وقوله : " وكتب إليه ببحرهم " أي ببلدهم وحمله الداودي على ظاهره فوهم . ثم أورد المصنف في الباب ثلاثة أحاديث .

                                                                                                                                                                                                        أحدها : حديث أنس في جبة السندس ، وسيأتي شرحه في كتاب اللباس إن شاء الله تعالى .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( أهدي ) بضم أوله على البناء للمجهول .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وكان ينهى ) أي النبي - صلى الله عليه وسلم - ( عن الحرير ) وهي جملة حالية .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وقال سعيد ) هو ابن أبي عروبة ( إلخ ) وصله أحمد عن روح عن سعيد وهو ابن أبي عروبة به وقال فيه : " جبة سندس أو ديباج شك سعيد " وسيأتي بيان ما فيه من التخالف مع بقية شرحه في كتاب اللباس إن شاء الله تعالى . وأراد البخاري منه بيان الذي أهدى لتظهر مطابقته للترجمة . وقد أخرجه مسلم عن طريق عمرو بن عامر عن قتادة فقال فيه : " إن أكيدر دومة الجندل " وأكيدر دومة هو أكيدر تصغير أكدر ، ودومة بضم المهملة وسكون الواو بلد بين الحجاز والشام وهي دومة الجندل مدينة بقرب تبوك بها نخل وزرع وحصن على عشر مراحل من المدينة وثمان من دمشق وكان أكيدر ملكها وهو أكيدر [ ص: 274 ] بن عبد الملك بن عبد الجن بالجيم والنون بن أعباء بن الحارث بن معاوية ينسب إلى كندة وكان نصرانيا . وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - أرسل إليه خالد بن الوليد في سرية فأسره وقتل أخاه حسان وقدم به المدينة ، فصالحه النبي - صلى الله عليه وسلم - على الجزية وأطلقه ، ذكر ابن إسحاق قصته مطولة في المغازي .

                                                                                                                                                                                                        وروى أبو يعلى بإسناد قوي من حديث قيس بن النعمان أنه لما قدم أخرج قباء من ديباج منسوجا بالذهب فرده النبي - صلى الله عليه وسلم - عليه ثم إنه وجد في نفسه من رد هديته فرجع به فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - : ادفعه إلى عمر الحديث وفي حديث علي عند مسلم أن أكيدر دومة أهدى للنبي - صلى الله عليه وسلم - ثوب حرير فأعطاه عليا فقال : شققه خمرا بين الفواطم فيستفاد منه أن الحلة التي ذكرها علي في الباب الذي قبله هي هذه التي أهداها أكيدر وسيأتي المراد بالفواطم في اللباس إن شاء الله تعالى .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية