الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          [ ص: 1 ] باب صلاة التطوع وآكدها صلاة الكسوف والاستسقاء

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          بسم الله الرحمن الرحيم .

                                                                                                                          باب صلاة التطوع .

                                                                                                                          التطوع في الأصل : فعل الطاعة ، وشرعا وعرفا : طاعة غير واجبة . والنفل والنافلة : الزيادة ، والتنفل : التطوع ( وهي أفضل تطوع البدن ) لما روى سالم بن أبي الجعد ، عن ثوبان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : استقيموا ولن تحصوا واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة ، رواه ابن ماجه ، وإسناده ثقات إلى سالم . قال أحمد : سالم لم يلق ثوبان ، بينهما معدان بن أبي طلحة ، وليست هذه الأحاديث صحاحا ، ورواه البيهقي في " سننه " ، وابن حبان في " صحيحه " ، ومالك في " موطئه " بلاغا ، وله طرق فيها ضعف ; ولأن فرضها آكد الفروض ، فتطوعها آكد التطوعات ، ولأنها تجمع أنواعا من العبادة : الإخلاص ، والقراءة ، والركوع ، والسجود ، ومناجاة الرب ، والتوجه إلى القبلة ، والتسبيح ، والتكبير ، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ، لكن أطلق أحمد والأصحاب أن الجهاد أفضل الأعمال المتطوع بها . قال أحمد : لا أعلم شيئا من الفرائض أفضل من الجهاد ، وذكر أكثر أصحابنا : ثم العلم ، ثم الصلاة . وعلى ما ذكره في الجهاد أنه أفضل الأعمال المتطوع بها ، والصلاة أفضل تطوع بدني محض . وذكر جماعة أن النفقة فيه أفضل ، وجزم به آخرون ، بأن الرباط أفضل من الجهاد ، وقال الشيخ تقي الدين : استيعاب عشر ذي الحجة بالعبادة ليلا ونهارا أفضل من جهاد لم تذهب فيه نفسه وماله . ونقل مهنا : طلب العلم أفضل [ ص: 2 ] الأعمال لمن صحت نيته . قيل : فأي شيء تصحيح النية ؛ قال : ينوي : يتواضع فيه ، وينفي عنه الجهل . وقيل : بل الصوم ; لقوله عليه السلام لأبي أمامة : " عليك بالصوم فإنه لا مثل له " . رواه النسائي وفيه لين ، وقيل : ما تعدى نفعه ; كعيادة مريض ، واتباع جنازة . وظاهر كلام ابن الجوزي أن الطواف أفضل من الصلاة فيه ، وقاله الشيخ تقي الدين ، وذكره عن الجمهور . وقيل : الحج أفضل ; لأنه جهاد ; فإن فيه مشهدا ليس في الإسلام مثله ; وهو يوم عرفة ، وإن مات به فقد خرج من ذنوبه ، ونقل عنه مهنا : أفضلية الذكر على الصلاة والصوم . قال في " الفروع " : فيتوجه أن عمل القلب أفضل من عمل الجوارح . وحاصله أن أفضلها جهاد ثم توابعه ، ثم علم : تعلمه وتعليمه ، ثم صلاة . ونص : أن طواف الغريب أفضل منها فيه ، والوقوف بعرفة أفضل منه في الصحيح ، ثم ما تعدى نفعه ، فصدقة على قريب محتاج أفضل من عتق ، وعتق أفضل من صدقة على أجنبي ، إلا زمن حاجة ، ثم حج ، ثم عتق ، ثم صوم . واختار الشيخ تقي الدين : أن الذكر بقلب أفضل من القراءة بلا قلب ; وهو معنى كلام ابن الجوزي : ( وآكدها صلاة الكسوف والاستسقاء ) لأنه يشرع لها الجماعة مطلقا ، أشبها الفرائض . وظاهره أن الكسوف آكد من صلاة الاستسقاء ; لأنه عليه السلام لم يتركها عند وجود سببها ، بخلاف الاستسقاء ; فإنه كان يستسقي تارة ، ويترك أخرى ، ويلحق بهما في الآكدية ما تسن له الجماعة كالتراويح . ذكره في " المذهب " ، و " المستوعب " ; وهو معنى ما في " الفروع " .



                                                                                                                          الخدمات العلمية