الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
قاعدة في الموازنة بين المصالح والمفاسد إذا تعارضت المصلحتان وتعذر جمعهما فإن علم رجحان إحداهما قدمت ، وإن لم يعلم رجحان ، فإن غلب التساوي فقد يظهر لبعض العلماء رجحان إحداهما فيقدمها ويظن آخر رجحان مقابلها فيقدمه ، فإن صوبنا المجتهدين فقد حصل لكل واحد منهما مصلحة لم يحصلها الآخر ، وإن حصرنا الصواب في أحدهما فالذي صار إلى المصلحة الراجحة مصيب للحق والذي صار إلى المصلحة المرجوحة مخطئ معفو عنه ، إذا بذل جهده في اجتهاده ، وكذلك إذا تعارضت المفسدة والمصلحة .

فإن قيل : كيف تصوبون المختلفين ، مع أن بعضهم قد أصاب المرجوح الذي لو اطلع عليه لما جاز له الاعتماد عليه . قلنا : ترك الرجحان رخصة على خلاف القواعد وفي الرخص تترك المصالح الراجحة إلى المصالح المرجوحة للعذر دفعا للمشاق ، ولو قلنا بوجوب الاستدراك لأدى إلى مشقة عظيمة عامة بخلاف من أخطأ النص والإجماع ، والأقيسة الجلية أو القواعد الكلية ، فإن خطأ ذلك لا يقع إلا نادرا ، فمن له أهلية الاجتهاد فيجب استدراكه لندرته وقلته . والحاصل أن الشرع يجعل المصلحة المرجوحة عند تعذر الوصول إلى الراجحة أو عند مشقة الوصول إلى الراجحة ، بدلا من المصلحة الراجحة ، كما يبدل الوضوء بالتيمم ، والصيام بالإعتاق ، والإطعام بالصيام ، والعرفان بالاعتقاد في حق العوام ، والفاتحة بالأذكار ، وجهة السفر في صلاة النافلة بالقبلة ، وجهة المقاتلة في الجهاد بالقبلة . [ ص: 61 ]

( فائدة ) الحكمة في اللغة المنع ، قال الشاعر :

أبني حنيفة أحكموا سفهاءكم إني أخاف عليكم أن أغضبا

أي امنعوهم .

وفي الشرع عبارة عن ترك المأمورات أو فعل المنهيات ، وحاصله المنع من ترك المصالح الخالصة أو الراجحة ، والمنع من فعل المفاسد الخالصة أو الراجحة ، والوعظ وهو الأمر بجلب المصالح ، الخالصة أو الراجحة أو النهي عن ارتكاب المفاسد الخالصة أو الراجحة ، والذي يسميه الجهلة البطلة سياسة هو فعل المفاسد الراجحة أو ترك المصالح الراجحة على المفاسد . ففي تضمين المكوس والخمور والأبضاع مصالح مرجوحة مغمورة بمفاسد الدنيا والآخرة : { وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل } ، وبمثل هذا يفتنون الأشقياء أنفسهم بإيثار المفاسد الراجحة على المصالح قضاء للذات الأفراح العاجلة ، ويتركون المصالح الراجحة للذات خسيسة أو أفراح دنيئة ، ولا يبالون بما رتب عليها من المفاسد العاجلة أو الآجلة . وذلك كشرب الخمور والأنبذة للذة إطرابها ، والزنا أو اللواط ، وأذية الأعداء المحرمة ، وقتل من أغضبهم وسب من غاضبهم ، وغصب الأموال والتكبر والتجبر ، وكذلك يهربون من الآلام والغموم العاجلة التي أمرنا بتحملها لما في تحملها من المصالح العاجلة ، ولا يبالون بما يلتزمون من تحمل أعظم المفسدتين تحصيلا للذات أدناهما ، وكذلك يتركون أعظم المصلحتين تحصيلا للذات أدناهما .

أسكرتهم اللذات والشهوات فنسوا الممات وما بعده من الآفات فويل لمن ترك سياسة الرحمن ، واتبع سياسة الشيطان ، وارتكب الفسوق والعصيان ، أولئك أهل البغي والضلال . [ ص: 62 ]

والجهل مفسدة وهو ثلاثة أقسام : أحدها ما يجب إزالته كالجهل بما يجب تعلمه من الأصول والفروع .

القسم الثاني : ما لا تجب إزالته ببعض أحكام الفروع .

القسم الثالث : ما اختلف في إزالته .

والعرفان مصلحة وهو ثلاثة أقسام : أحدها ما يجب تحصيله من علوم الأصول والفروع .

القسم الثاني : ما لا يجب تحصيله ولا حد له .

القسم الثالث : ما اختلف في وجوب تحصيله من الأصول والفروع .

التالي السابق


الخدمات العلمية