الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        باب كراهية التطاول على الرقيق وقوله عبدي أو أمتي وقال الله تعالى والصالحين من عبادكم وإمائكم وقال عبدا مملوكا وألفيا سيدها لدى الباب وقال من فتياتكم المؤمنات وقال النبي صلى الله عليه وسلم قوموا إلى سيدكم و اذكرني عند ربك عند سيدك ومن سيدكم

                                                                                                                                                                                                        2412 حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن عبيد الله حدثني نافع عن عبد الله رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا نصح العبد سيده وأحسن عبادة ربه كان له أجره مرتين [ ص: 211 ]

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        [ ص: 211 ] قوله : ( باب كراهية التطاول على الرقيق ) أي الترفع عليهم ، والمراد مجاوزة الحد في ذلك ، والمراد بالكراهة كراهة التنزيه .

                                                                                                                                                                                                        قوله ( عبدي أو أمتي ) أي وكراهية ذلك من غير تحريم ، ولذلك استشهد للجواز بقوله تعالى : والصالحين من عبادكم وإمائكم وبغيرها من الآيات والأحاديث الدالة على الجواز ، ثم أردفها بالحديث الوارد في النهي عن ذلك ، واتفق العلماء على أن النهي الوارد في ذلك للتنزيه ، حتى أهل الظاهر ، إلا ما سنذكره عن ابن بطال في لفظ الرب .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : قوموا إلى سيدكم ) هو طرف من حديث أبي سعيد في قصة سعد بن معاذ وحكمه على بني قريظة ، وسيأتي تاما في المغازي مع الكلام عليه .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( ومن سيدكم ) سقط هذا من رواية النسفي وأبي ذر وأبي الوقت وثبت للباقين ، وهو طرف من حديث أخرجه المؤلف في " الأدب المفرد " من طريق حجاج الصواف عن أبي الزبير قال : حدثنا جابر قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : من سيدكم يا بني سلمة ؟ قلنا : الجد بن قيس ، على أنا نبخله . قال : وأي داء أدوى من البخل ؟ بل سيدكم عمرو بن الجموح وكان عمرو يعترض على أصنامهم في الجاهلية ، وكان يولم عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا تزوج .

                                                                                                                                                                                                        وأخرجه الحاكم من طريق محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة نحوه ، ورواه ابن عائشة في نوادره من طريق الشعبي مرسلا وزاد : قال : فقال بعض الأنصار في ذلك :


                                                                                                                                                                                                        وقال رسول الله والقول قوله لمن قال منا من تسمون سيدا

                                                                                                                                                                                                        فقالوا له جد بن قيس على التي
                                                                                                                                                                                                        نبخله فيها وإن كان أسودا

                                                                                                                                                                                                        فسود عمرو بن الجموح لجوده
                                                                                                                                                                                                        وحق لعمرو بالندى أن يسودا



                                                                                                                                                                                                        انتهى . والجد بفتح الجيم وتشديد الدال هو ابن قيس بن صخر بن خنساء بن سنان بن عبيد بن عدي [ ص: 212 ] بن غنم بسكون النون ابن كعب بن سلمة بكسر اللام ، يكنى أبا عبد الله ، له ذكر في حديث جابر أنه حمله معه في بيعة العقبة . قال ابن عبد البر : كان يرمى بالنفاق ، ويقال : إنه تاب وحسنت توبته ، وعاش إلى أن مات في خلافة عثمان . وأما عمرو بن الجموح بفتح الجيم وضم الميم الخفيفة وآخره مهملة ابن زيد بن حرام بمهملتين ابن كعب بن غنم بن كعب بن سلمة ، قال ابن إسحاق : كان من سادات بني سلمة ، وذكر له قصة في صنمه وسبب إسلامه ، وقوله فيه :

                                                                                                                                                                                                        تالله لو كنت إلها لم تكن أنت


                                                                                                                                                                                                        وكلب وسط بئر في قرن

                                                                                                                                                                                                        .

                                                                                                                                                                                                        وروى أحمد ، وعمر بن شبة في " أخبار المدينة " بإسناد حسن عن أبي قتادة أن عمرو بن الجموح أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : أرأيت إن قاتلت حتى أقتل في سبيل الله تراني أمشي برجلي هذه صحيحة في الجنة ؟ فقال : نعم . وكانت عرجاء . زاد عمر فقتل يوم أحد رحمه الله . وقد روى ابن منده وأبو الشيخ في " الأمثال " والوليد بن أبان في " كتاب الجود " له من حديث كعب بن مالك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : من سيدكم يا بني سلمة ؟ قالوا جد بن قيس فذكر الحديث ، فقال : سيدكم بشر بن البراء بن معرور وهو بسكون العين المهملة ابن صخر يجتمع مع عمرو بن الجموح في صخر ، ورجال هذا الإسناد ثقات ، إلا أنه اختلف في وصله وإرساله على الزهري ، ويمكن الجمع بأن تحمل قصة بشر على أنها كانت بعد قتل عمرو بن الجموح جمعا بين الحديثين ، ومات بشر المذكور بعد خيبر ، أكل مع النبي - صلى الله عليه وسلم - من الشاة التي سم فيها ، وكان قد شهد العقبة وبدرا ، ذكره ابن إسحاق وغيره .

                                                                                                                                                                                                        وما ذكره المصنف يحتاج إلى تأويل الحديث الوارد في النهي عن إطلاق السيد على المخلوق ، وهو في حديث مطرف بن عبد الله بن الشخير عن أبيه عند أبي داود والنسائي والمصنف في " الأدب المفرد " ورجاله ثقات وقد صححه غير واحد ، ويمكن الجمع بأن يحمل النهي عن ذلك على إطلاقه على غير المالك ، والإذن بإطلاقه على المالك وقد كان بعض أكابر العلماء يأخذ بهذا ويكره أن يخاطب أحدا بلفظه أو كتابته بالسيد ، ويتأكد هذا إذا كان المخاطب غير تقي ، فعند أبي داود والمصنف في الأدب من حديث بريدة مرفوعا لا تقولوا للمنافق سيدا الحديث . ونحوه عند الحاكم . ثم أورد المصنف في الباب غير هذين المعلقين سبعة أحاديث .

                                                                                                                                                                                                        حديثا ابن عمر وأبي موسى في العبد الذي له أجران وقد تقدما من وجهين آخرين في الباب الذي قبله . والغرض منهما قوله في حديث ابن عمر " إذا نصح سيده " وفي حديث أبي موسى " ويؤدي إلى سيده " .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية