الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                باب تحريم تلقي الجلب

                                                                                                                1517 حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا ابن أبي زائدة ح وحدثنا ابن المثنى حدثنا يحيى يعني ابن سعيد ح وحدثنا ابن نمير حدثنا أبي كلهم عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن تتلقى السلع حتى تبلغ الأسواق وهذا لفظ ابن نمير وقال الآخران إن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن التلقي وحدثني محمد بن حاتم وإسحق بن منصور جميعا عن ابن مهدي عن مالك عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثل حديث ابن نمير عن عبيد الله

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                قوله : ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن تتلقى السلع حتى تبلغ الأسواق ) وفي رواية : ( نهى عن التلقي ) وفي رواية : ( نهى عن تلقي البيوع ) وفي رواية : ( أن يتلقى الجلب ) وفي رواية : ( لا تلقوا الجلب فمن تلقى فاشترى منه فإذا أتى سيده السوق فهو بالخيار ) وفي رواية : ( نهى أن [ ص: 126 ] يتلقى الركبان ) قوله صلى الله عليه وسلم : ( أتى سيده ) أي مالكه البائع .

                                                                                                                وفي هذه الأحاديث تحريم تلقي الجلب ، وهو مذهب الشافعي ومالك والجمهور . وقال أبو حنيفة والأوزاعي يجوز التلقي إذا لم يضر بالناس فإن أضر كره . والصحيح الأول للنهي الصريح . قال أصحابنا : وشرط التحريم أن يعلم النهي عن التلقي . ولو لم يقصد التلقي بل خرج لشغل فاشترى منه ففي تحريمه وجهان لأصحابنا وقولان لأصحاب مالك ، أصحهما عند أصحابنا التحريم لوجود المعنى . ولو تلقاهم وباعهم ففي تحريمه وجهان . وإذا حكمنا بالتحريم فاشترى صح العقد . قال العلماء : وسبب التحريم إزالة الضرر عن الجالب وصيانته ممن يخدعه قال الإمام أبو عبد الله المازري : فإن قيل : المنع من بيع الحاضر للبادي سببه الرفق بأهل البلد . واحتمل فيه غبن البادي ، والمنع من التلقي ألا يغبن البادي ولهذا قال صلى الله عليه وسلم : فإذا أتى سيده السوق فهو بالخيار فالجواب : أن الشرع ينظر في مثل هذه المسائل إلى مصلحة الناس والمصلحة تقتضي أن ينظر للجماعة على الواحد لا للواحد على الواحد ، فلما كان البادي إذا باع بنفسه انتفع جميع أهل السوق واشتروا رخيصا فانتفع به جميع سكان البلد ، نظر الشرع لأهل البلد على البادي . ولما كان في التلقي إنما ينتفع المتلقي خاصة وهو واحد في قبالة واحد لم يكن في إباحة التلقي مصلحة ، لا سيما وينضاف إلى ذلك علة ثانية وهي لحوق الضرر بأهل السوق في انفراد المتلقي عنهم بالرخص وقطع المواد عنهم وهم أكثر من المتلقي فنظر الشرع لهم عليه فلا تناقض بين المسألتين بل هما متفقتان في الحكمة والمصلحة ، والله أعلم .

                                                                                                                وأما قوله صلى الله عليه وسلم : فإذا أتى سيده السوق فهو بالخيار قال أصحابنا : لا خيار للبائع قبل أن يقدم ويعلم السعر ، فإذا قدم فإن كان الشراء بأرخص من سعر البلد ثبت له الخيار سواء أخبر المتلقي بالسعر كاذبا أم لم يخبر ، وإن كان الشراء بسعر البلد أو أكثر فوجهان : الأصح لا خيار له لعدم الغبن ، والثاني ثبوته لإطلاق الحديث ، والله أعلم .

                                                                                                                [ ص: 127 ] قوله : ( أخبرني هشام القردوسي ) هو بضم القاف والدال وإسكان الراء بينهما منسوب إلى القراديس ، قبيلة معروفة ، والله أعلم .




                                                                                                                الخدمات العلمية