الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                      صفحة جزء
                                                                                      علقمة ( ع )

                                                                                      فقيه الكوفة وعالمها ومقرئها ، الإمام ، الحافظ ، المجود ، المجتهد الكبير ، أبو شبل علقمة بن قيس بن عبد الله بن مالك بن علقمة بن سلامان بن كهل وقيل : ابن كهيل بن بكر بن عوف ، ويقال : ابن المنتشر بن النخع ، النخعي ، الكوفي ، الفقيه عم الأسود بن يزيد وأخيه عبد الرحمن ، وخال فقيه العراق إبراهيم النخعي .

                                                                                      ولد في أيام الرسالة المحمدية ، وعداده في المخضرمين ، وهاجر في [ ص: 54 ] طلب العلم والجهاد ، ونزل الكوفة ، ولازم ابن مسعود حتى رأس في العلم والعمل ، وتفقه به العلماء ، وبعد صيته .

                                                                                      حدث عن عمر ، وعثمان ، وعلي ، وسلمان ، وأبي الدرداء ، وخالد بن الوليد ، وحذيفة ، وخباب ، وعائشة ، وسعد ، وعمار ، وأبي مسعود البدري ، وأبي موسى ، ومعقل بن سنان ، وسلمة بن يزيد الجعفي ، وشريح بن أرطاة ، وقيس بن مروان ، وطائفة سواهم .

                                                                                      وجود القرآن على ابن مسعود . تلا عليه يحيى بن وثاب ، وعبيد بن نضيلة وأبو إسحاق السبيعي .

                                                                                      وتفقه به أئمة : كإبراهيم ، والشعبي . وتصدى للإمامة والفتيا بعد علي وابن مسعود ، وكان يشبه بابن مسعود في هديه ودله وسمته ، وكان طلبته يسألونه ويتفقهون به والصحابة متوافرون .

                                                                                      حدث عنه أبو وائل ، والشعبي ، وعبيد بن نضيلة ، وإبراهيم النخعي ، ومحمد بن سيرين ، وأبو الضحى مسلم بن صبيح ، وإبراهيم بن سويد النخعي ، وأبو ظبيان حصين بن جندب الجنبي ، وأبو معمر عبد الله بن سخبرة ، وسلمة بن كهيل ، وابن أخيه عبد الرحمن بن يزيد ، وأبو إسحاق السبيعي ، وعمارة بن عمير ، وأبو قيس عبد الرحمن بن ثروان الأودي ، وعبد الرحمن بن عوسجة ، والقاسم بن مخيمرة ، وقيس بن رومي ، ومرة الطيب ، وهني بن نويرة ، ويحيى بن وثاب ، ويزيد بن أوس ، ويزيد بن معاوية النخعي لا الأموي ، وأبو الرقاد النخعي ، والمسيب بن رافع .

                                                                                      وأرسل عنه أبو الزناد وغيره .

                                                                                      [ ص: 55 ] روى مغيرة ، عن إبراهيم ، قال : كنى عبد الله بن مسعود علقمة أبا شبل وكان علقمة عقيما لا يولد له .

                                                                                      الأعمش ; عن إبراهيم ، قال علقمة : ما حفظت وأنا شاب ، فكأني أنظر إليه في قرطاس أو رقعة .

                                                                                      قال أحمد بن حنبل : علقمة ثقة ، من أهل الخير ، وكذا وثقه يحيى بن معين ، وسئل عنه وعن عبيدة في عبد الله فلم يخير .

                                                                                      وقال عثمان بن سعيد : علقمة أعلم بعبد الله . قال ابن المديني : لم يكن أحد من الصحابة له أصحاب حفظوا عنه ، وقاموا بقوله في الفقه إلا ثلاثة : زيد بن ثابت ، وابن مسعود ، وابن عباس ، وأعلم الناس بابن مسعود : علقمة ، والأسود ، وعبيدة ، والحارث .

                                                                                      وروى زائدة عن أبي حمزة ، قال : قلت لرباح أبي المثنى : أليس قد رأيت عبد الله ؟ قال : بلى وحججت مع عمر ثلاث حجات وأنا رجل . قال : وكان عبد الله وعلقمة يصفان الناس صفين عند أبواب كندة ، فيقرئ عبد الله رجلا ، ويقرئ علقمة رجلا ، فإذا فرغا ، تذاكرا أبواب المناسك ، وأبواب الحلال والحرام . فإذا رأيت علقمة ، فلا يضرك أن لا ترى عبد الله ، أشبه الناس به سمتا وهديا ، وإذا رأيت إبراهيم النخعي ، فلا يضرك أن لا ترى علقمة ، أشبه الناس به سمتا وهديا .

                                                                                      الأعمش : عن عمارة بن عمير قال : قال لنا أبو معمر : قوموا بنا إلى أشبه الناس بعبد الله هديا ودلا وسمتا ، فقمنا معه حتى جلسنا إلى علقمة .

                                                                                      وروى سفيان بن عيينة عن داود بن أبي هند قال : قلت للشعبي : أخبرني عن أصحاب عبد الله حتى كأني أنظر إليهم ، قال : كان علقمة أبطن [ ص: 56 ] القوم به ، وكان مسروق قد خلط منه ومن غيره ، وكان الربيع بن خثيم أشد القوم اجتهادا ، وكان عبيدة يوازي شريحا في العلم والقضاء .

                                                                                      روى إبراهيم ، عن علقمة ، أنه قدم الشام ، فدخل مسجد دمشق ، فقال اللهم ارزقني جليسا صالحا ، فجاء فجلس إلى أبي الدرداء ، فقال له : ممن أنت؟ قال : من أهل الكوفة ، قال : كيف سمعت ابن أم عبد يقرأ والليل إذا يغشى الحديث .

                                                                                      وقال الأسود : إني لأذكر ليلة عرس أم علقمة .

                                                                                      وقال شباب : شهد علقمة صفين مع علي .

                                                                                      وروى الهيثم بن عدي ، عن مجالد ، عن الشعبي ، قال : كان الفقهاء بعد أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالكوفة في أصحاب عبد الله : علقمة ، وعبيدة ، وشريح ، ومسروق .

                                                                                      وروى حفص بن غياث ، عن أشعث ، عن ابن سيرين ، قال : أدركت القوم وهم يقدمون خمسة : من بدأ بالحارث الأعور ، ثنى بعبيدة ، ومن بدأ بعبيدة ، ثنى بالحارث ، ثم علقمة الثالث ، لا شك فيه ، ثم مسروق ، ثم شريح ، وإن قوما أخسهم شريح ، لقوم لهم شأن .

                                                                                      وروى ابن عون ، عن محمد ، قال : كان أصحاب عبد الله خمسة كلهم فيه عيب : عبيدة أعور ، ومسروق أحدب ، وعلقمة أعرج ، وشريح كوسج والحارث أعور .

                                                                                      [ ص: 57 ] وروى منصور عن إبراهيم ، قال : كان أصحاب عبد الله الذين يقرئون الناس القرآن ، ويعلمونهم السنة ، ويصدر الناس عن رأيهم ستة : علقمة ، والأسود ، ومسروق ، وعبيدة ، وأبو ميسرة عمرو بن شرحبيل ، والحارث بن قيس .

                                                                                      وروى إسرائيل ، عن غالب أبي الهذيل
                                                                                      ، قلت لإبراهيم : أعلقمة كان أفضل أو الأسود ؟ قال : علقمة ، وقد شهد صفين . وقال ابن عون : سألت الشعبي عن علقمة والأسود ، فقال : كان الأسود صواما قواما ، كثير الحج ، وكان علقمة مع البطيء ويدرك السريع . وقال مرة الهمداني : كان علقمة من الربانيين ، وكان علقمة عقيما لا يولد له .

                                                                                      وروى عنه إبراهيم ، قال : صليت خلف عمر سنتين . وروى مغيرة عن إبراهيم أن علقمة والأسود كانا يسافران مع أبي بكر وعمر . قال الشعبي : كان علقمة أبطن القوم بابن مسعود .

                                                                                      الأعمش : عن إبراهيم ، عن علقمة ، قال : أتي عبد الله بشراب فقال : أعط علقمة ، أعط مسروقا ، فكلهم قال : إني صائم ، فقال : يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار وقال إبراهيم : كان علقمة يقرأ القرآن في خمس .

                                                                                      قال علقمة : أطيلوا كر الحديث لا يدرس .

                                                                                      الأعمش : عن شقيق ، قال كان ابن زياد يراني مع مسروق فقال : إذا قدمت فالقني ، فأتيت علقمة فقال : إنك لم تصب من دنياهم شيئا إلا أصابوا [ ص: 58 ] من دينك ما هو أفضل منه ، ما أحب أن لي ألفي ألفين وأني أكرم الجند عليه .

                                                                                      وقال إبراهيم : كتب أبو بردة علقمة في الوفد إلى معاوية ، فقال له علقمة : امحني امحني .

                                                                                      وقال علقمة : ما حفظت وأنا شاب ، فكأني أنظر إليه في قرطاس .

                                                                                      قال إبراهيم عن علقمة إنه كان له برذون يراهن عليه .

                                                                                      الأعمش : عن مالك بن الحارث ، عن عبد الرحمن بن يزيد ، قلنا لعلقمة : لو صليت في المسجد وجلسنا معك فتسأل ، قال : أكره أن يقال : هذا علقمة ، قالوا : لو دخلت على الأمراء ، قال : أخاف أن ينتقصوا مني أكثر مما أنتقص منهم .

                                                                                      وروى إبراهيم عن علقمة ، قال : كنت رجلا قد أعطاني الله حسن الصوت بالقرآن ، وكان ابن مسعود يرسل إلي ، فأقرأ عليه ، فإذا فرغت من قراءتي قال : زدنا فداك أبي وأمي ; فإني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول : إن حسن الصوت زينة القرآن .

                                                                                      أبو إسحاق : عن عبد الرحمن بن يزيد ، قال عبد الله : ما أقرأ شيئا ولا أعلمه إلا علقمة يقرؤه أو يعلمه ، قال زياد بن حدير : يا أبا عبد الرحمن ، [ ص: 59 ] والله ما علقمة بأقرئنا ، قال : بلى والله ، وإن شئت لأخبرنك بما قيل في قومك وقومه .

                                                                                      وروى الأعمش ، عن إبراهيم قال : كان علقمة يقرأ القرآن في خمس ، والأسود في ست ، وعبد الرحمن بن يزيد في سبع .

                                                                                      جرير بن عبد الحميد ، عن قابوس بن أبي ظبيان ، قال : قلت لأبي : لأي شيء كنت تأتي علقمة وتدع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال : أدركت ناسا من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- يسألون علقمة ويستفتونه .

                                                                                      شريك : عن أبي إسحاق ، عن عبد الرحمن بن يزيد ، قال : قيل لابن مسعود : ما علقمة بأقرئنا ، قال : بلى والله إنه لأقرؤكم .

                                                                                      أخبرنا إسحاق بن طارق ، أنبأنا أبو المكارم التيمي ، أنبأنا الحداد ، أنبأنا أبو نعيم ، حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن ، حدثنا محمد بن عثمان ، حدثنا ابن نمير ، حدثنا حفص بن غياث عن الأعمش ، عن المسيب بن رافع ، قال : قيل لعلقمة : لو جلست فأقرأت الناس وحدثتهم ، قال : أكره أن يوطأ عقبي وأن يقال : هذا علقمة ، فكان يكون في بيته يعلف غنمه ويقت لهم ، وكان معه شيء يفرع بينهن إذا تناطحن .

                                                                                      ابن عيينة ، عن عمر بن سعد ، قال : كان الربيع بن خثيم يأتي علقمة فيقول : ما أزور أحدا غيرك أو ما أزور أحدا ما أزورك .

                                                                                      [ ص: 60 ] قال إسماعيل بن أبي خالد ، عن الشعبي : إن كان أهل بيت خلقوا للجنة ، فهم أهل هذا البيت ، علقمة والأسود . وقال أبو قيس الأودي : رأيت إبراهيم آخذا بالركاب لعلقمة .

                                                                                      الأعمش ، عن مالك بن الحارث ، عن عبد الرحمن بن يزيد ، قال : قيل لعلقمة : ألا تغشى الأمراء ، فيعرفون من نسبك؟ قال : ما يسرني أن لي مع ألفي ألفين ، وأني أكرم الجند عليه . فقيل له : ألا تغشى المسجد فتجلس وتفتي الناس؟ قال : تريدون أن يطأ الناس عقبي ويقولون : هذا علقمة ! .

                                                                                      حصين ، عن إبراهيم ، عن علقمة أنه أوصى ، قال : إذا أنا حضرت فأجلسوا عندي من يلقنني : لا إله إلا الله ، وأسرعوا بي إلى حفرتي ، ولا تنعوني إلى الناس ; فإني أخاف أن يكون ذلك نعيا كنعي الجاهلية .

                                                                                      قال بعض الحفاظ ، وأحسن : أصح الأسانيد ، منصور ، عن إبراهيم ، عن علقمة ، عن ابن مسعود . فعلى هذا ، أصح ذلك شعبة وسفيان ، عن [ ص: 61 ] منصور ، وعنهما يحيى القطان وعبد الرحمن بن مهدي ، وعنهما علي بن المديني ، وعنه أبو عبد الله البخاري ، رحمهم الله .

                                                                                      قال الهيثم بن عدي : مات علقمة في خلافة يزيد وقال أبو نعيم ، وقعنب بن محرر : سنة إحدى وستين . وقال المدائني ، يحيى بن بكير ، وأبو عبيد ، وابن معين ، وابن سعد ، وعدة : مات سنة اثنتين وستين . ويقال : توفي سنة خمس وستين . ويقال : سنة ثلاث ولم يصح ، وشذ أبو نعيم عبد الرحمن بن هانئ النخعي فقال : مات سنة اثنتين وسبعين . وكذا نقل عن أبي بكر بن أبي شيبة ، ومحمد بن عبد الله بن نمير . وقيل غير ذلك . وقال أبو نعيم النخعي : عاش تسعين سنة . ومن طبقته :

                                                                                      التالي السابق


                                                                                      الخدمات العلمية