الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                باب قدر ما تستحقه البكر والثيب من إقامة الزوج عندها عقب الزفاف

                                                                                                                1460 حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ومحمد بن حاتم ويعقوب بن إبراهيم واللفظ لأبي بكر قالوا حدثنا يحيى بن سعيد عن سفيان عن محمد بن أبي بكر عن عبد الملك بن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام عن أبيه عن أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما تزوج أم سلمة أقام عندها ثلاثا وقال إنه ليس بك على أهلك هوان إن شئت سبعت لك وإن سبعت لك سبعت لنسائي

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                قوله : ( عن سفيان عن محمد بن أبي بكر عن عبد الملك بن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام عن أبيه عن أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما تزوج أم سلمة أقام عندها ثلاثا إلخ ) وفي رواية مالك ( عن عبد الله بن أبي بكر عن عبد الملك بن أبي بكر بن عبد الرحمن أن النبي صلى الله عليه وسلم حين تزوج أم سلمة ) رواه من رواية سليمان بن بلال مرسلا ورواه بعد هذا من رواية حفص بن غياث متصلا كرواية سفيان . قال الدارقطني : قد أرسله عبد الله بن أبي بكر [ ص: 35 ] وعبد الرحمن بن حميد كما ذكره مسلم . وهذا الذي ذكره الدارقطني من استدراكه هذا على مسلم فاسد ، لأن مسلما رحمه الله قد بين اختلاف الرواة في وصله وإرساله ، ومذهبه ومذهب الفقهاء والأصوليين ومحققي المحدثين أن الحديث إذا روي متصلا ومرسلا حكم بالاتصال ووجب العمل به لأنه زيادة ثقة وهي مقبولة عند الجماهير ، فلا يصح استدراك الدارقطني ، والله أعلم .

                                                                                                                قوله صلى الله عليه وسلم لأم سلمة - رضي الله عنها - لما تزوجها وأقام عندها ثلاثا : إنه ليس بك على أهلك هوان إن شئت سبعت لك ، وإن سبعت لك سبعت لنسائي وفي رواية : وإن شئت ثلثت ثم درت قالت : ثلث ، وفي رواية ( دخل عليها فلما أراد أن يخرج أخذت بثوبه فقال رسول الله : إن شئت زدتك وحاسبتك للبكر سبع وللثيب ثلاث ) وفي حديث أنس : ( للبكر سبع وللثيب ثلاث )

                                                                                                                أما قوله صلى الله عليه وسلم : ليس بك على أهلك هوان فمعناه لا يلحقك هوان ولا يضيع من حقك شيء بل تأخذينه كاملا ثم بين صلى الله عليه وسلم حقها وأنها مخيرة بين سبع ويقضي لباقي نسائه لأن في الثلاثة مزية بعدم القضاء ، وفي السبع مزية لها بتواليها وكمال الأنس فيها ، فاختارت الثلاث لكونها لا تقضى وليقرب عوده إليها فإنه يطوف عليهن ليلة ليلة ثم يأتيها ، ولو أخذت سبعا طاف بعد ذلك عليهن سبعا سبعا فطالت غيبته عنها . قال القاضي : المراد بأهلك هنا نفسه صلى الله عليه وسلم أي [ ص: 36 ] لا أفعل فعلا به هوانك علي .

                                                                                                                وفي هذا الحديث استحباب ملاطفة الأهل والعيال وغيرهم وتقريب الحق من فهم المخاطب ليرجع إليه ، وفيه العدل بين الزوجات .

                                                                                                                وفيه أن حق الزفاف ثابت للمزفوفة وتقدم به على غيرها فإن كانت بكرا كان لها ليال بأيامها بلا قضاء ، وإن كانت ثيبا كان لها الخيار إن شاءت سبعا ، ويقضي السبع لباقي النساء ، وإن شاءت ثلاثا ولا يقضي . هذا مذهب الشافعي وموافقيه وهو الذي ثبتت فيه هذه الأحاديث الصحيحة ، وممن قال به مالك وأحمد وإسحاق وأبو ثور وابن جرير وجمهور العلماء . وقال أبو حنيفة والحكم وحماد : يجب قضاء الجميع في الثيب والبكر واستدلوا بالظواهر الواردة بالعدل بين الزوجات .

                                                                                                                وحجة الشافعي هذه الأحاديث وهي مخصصة للظواهر العامة .

                                                                                                                واختلف العلماء في أن هذا الحق للزوج أو للزوجة الجديدة ، ومذهبنا ومذهب الجمهور أنه حق لها ، وقال بعض المالكية : حق له على بقية نسائه .

                                                                                                                واختلفوا في اختصاصه بمن له زوجات غير الجديدة . قال ابن عبد البر : جمهور العلماء على أن ذلك حق للمرأة بسبب الزفاف سواء كان عنده زوجة أم لا لعموم الحديث إذا تزوج البكر أقام عندها سبعا وإذا تزوج الثيب أقام عندها ثلاثا ، لم يخص من لم يكن له زوجة . وقالت طائفة : الحديث فيمن له زوجة أو زوجات غير هذه لأن من لا زوجة له فهو مقيم مع هذه كل دهره مؤنس لها متمتع بها بلا قاطع بخلاف من له زوجات فإنه جعلت هذه الأيام للجديدة تأنيسا لها متصلا لتستقر عشرتها له وتذهب حشمتها ووحشتها منه ، ويقضي كل واحد منهما لذته من صاحبه ولا ينقطع بالدوران على غيرها . ورجح القاضي عياض هذا القول وبه جزم البغوي من أصحابنا في فتاويه فقال : إنما يثبت هذا الحق للجديدة إذا كان عنده أخرى يبيت عندها فإن لم تكن أخرى أو كان لا يبيت عندها لم يثبت للجديدة حق الزفاف ، كما لا يلزمه أن يبيت عند زوجاته ابتداء ، والأول أقوى وهو المختار لعموم الحديث .

                                                                                                                واختلفوا في أن هذا المقام عند البكر والثيب إذا كان له زوجة أخرى واجب أم مستحب فمذهب الشافعي وأصحابه وموافقيهم أنه واجب وهي رواية ابن القاسم عن مالك وروى عنه ابن عبد الحكم أنه على الاستحباب .




                                                                                                                الخدمات العلمية