الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 4963 ) مسألة ; قال : ( وإذا غرق المتوارثان ، أو ماتا تحت هدم ، فجهل أولهما موتا ، ورث بعضهم من بعض ) وجملة ذلك أن المتوارثين إذا ماتا ، فجهل أولهما موتا ، فإن أحمد قال : أذهب إلى قول عمر ، وعلي ، وشريح ، وإبراهيم ، والشعبي : يرث بعضهم من بعض . يعني من تلاد ماله دون طارفه ، وهو ما ورثه من ميت معه .

                                                                                                                                            وهذا قول من ذكره الإمام أحمد ، وهو قول إياس بن عبد الله المزني ، وعطاء ، والحسن ، وحميد الأعرج ، وعبد الله بن عتبة ، وابن أبي ليلى ، والحسن بن صالح ، وشريك ، ويحيى بن آدم ، وإسحاق ، وحكي ذلك عن ابن مسعود . قال الشعبي : وقع الطاعون عام عمواس ، فجعل أهل البيت يموتون عن آخرهم ، فكتب في ذلك إلى عمر ، رضي الله عنه . فكتب عمر : أن ورثوا بعضهم من بعض . وروي عن أبي بكر الصديق ، وزيد ، وابن عباس ، ومعاذ ، والحسن بن علي رضي الله عنهم ، أنهم لم يورثوا بعضهم من بعض ، وجعلوا ما لكل واحد للأحياء من ورثته

                                                                                                                                            وبه قال عمر بن عبد العزيز ، وأبو الزناد ، والزهري ، والأوزاعي ، ومالك والشافعي رضي الله عنهم وأبو حنيفة ، وأصحابه ، ويروى ذلك عن عمر ، والحسن البصري ، وراشد بن سعد ، وحكيم بن عمير ، وعبد الرحمن بن عوف . وروي عن أحمد ما يدل عليه ، فإنه قال في امرأة وابنها ماتا ، فقال زوجها : ماتت فورثناها ، ثم مات ابني فورثته . وقال أخوها : مات ابنها فورثته ، ثم ماتت فورثناها .

                                                                                                                                            حلف كل واحد منهما على إبطال دعوى صاحبه ، وكان ميراث الابن لأبيه ، وميراث المرأة لأخيها وزوجها نصفين . فجعل ميراث كل واحد منهما للأحياء من ورثته . فيحتمل أن يجعل هذا رواية عن أحمد في جميع مسائل الباب ، ويحتمل أن يكون هذا قولا فيما إذا ادعى وارث كل ميت أن موروثه كان آخرهما موتا ، ويرث كل واحد منهما من الآخر ، إذا اتفق وراثهم على الجهل بكيفية موتهم ; لأن مع التداعي تتوجه اليمين ، على المدعى عليه ، فيحلف على إبطال دعوى صاحبه ، ويتوفر الميراث له .

                                                                                                                                            كما في سائر الحقوق ، بخلاف ما إذا اتفقوا على الجهل ، فلا تتوجه يمين ; لأن اليمين لا يشرع في موضع اتفقوا على الجهل به . واحتج من قال بعدم توريث بعضهم من بعض ، بما روى سعيد ، حدثنا إسماعيل بن عياش ، عن يحيى بن سعيد : أن قتلى اليمامة ، وقتلى صفين والحرة ، لم يورثوا بعضهم من بعض ، وورثوا عصبتهم الأحياء [ ص: 256 ]

                                                                                                                                            وقال : حدثنا عبد العزيز بن محمد ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه : أن أم كلثوم بنت علي توفيت هي وابنها زيد بن عمر ، فالتقت الصيحتان في الطريق ، فلم يدر أيهما مات قبل صاحبه ، فلم ترثه ولم يرثها

                                                                                                                                            وأن أهل صفين ، وأهل الحرة لم يتوارثوا . ولأن شرط التوريث حياة الوارث بعد موت الموروث ، وهو غير معلوم ، ولا يثبت التوريث مع الشك في شرطه ، ولأنه لم تعلم حياته حين موت موروثه ، فلم يرثه ، كالحمل إذا وضعته ميتا ، ولأن الأصل عدم التوريث فلا نثبته بالشك ، ولأن توريث كل واحد منهما خطأ يقينا ; لأنه لا يخلو من أن يكون موتهما معا ، أو سبق أحدهما به ، وتوريث السابق بالموت والميت معه خطأ يقينا ، مخالف للإجماع ، فكيف يعمل به ، فإن قيل : ففي قطع التوريث قطع توريث المسبوق بالموت ، وهو خطأ أيضا

                                                                                                                                            قلنا : هذا غير متيقن ; لأنه يحتمل موتهما جميعا ، فلا يكون فيهما مسبوق . وقد احتج بعض أصحابنا بما روى إياس بن عبد الله المزني ، أن النبي صلى الله عليه وسلم { سئل عن قوم وقع عليهم بيت . فقال : يرث بعضهم بعضا } . والصحيح أن هذا إنما هو عن إياس نفسه ، وأنه هو المسئول ، وليس براوية عن النبي صلى الله عليه وسلم . هكذا رواه سعيد في " سننه " . وحكاه الإمام أحمد عنه . وقال أبو ثور ، وابن سريج ، وطائفة من البصريين : يعطى كل وارث اليقين ، ويوقف المشكوك فيه ، حتى يتبين الأمر ، أو يصطلحوا

                                                                                                                                            وقال الخبري : هذا هو الحكم فيما إذا علم موت أحدهما قبل صاحبه . ولم يذكر فيه خلافا . ومن مسائل ذلك ; أخوان غرقا ، أحدهما مولى زيد ، والآخر مولى عمرو ; من ورث كل واحد منهما من صاحبه ، جعل ميراث كل واحد منهما لمولى أخيه ، ومن لم يورث أحدهما من صاحبه ، جعل ميراث كل واحد منهما لمولاه ، ومن قال بالوقف وقف مالهما . فإن ادعى كل واحد من الموليين أن مولاه آخرهما موتا ، حلف كل واحد منهما على إبطال دعوى صاحبه ، وأخذ مال مولاه على مسألة الخرقي

                                                                                                                                            وإن كانت لهما أخت ، فلها الثلثان من مال كل واحد منهما على القول الأول ، والنصف على القول الثاني . وإن خلف كل واحد منهما بنتا وزوجة ، فمن لم يورث بعضهم من بعض ، صححها من ثمانية ، لامرأته الثمن ، ولابنته النصف ، والباقي لمولاه . ومن ورثهم ، جعل الباقي لأخيه ، ثم قسمه بين ورثة أخيه على ثمانية ، ثم ضربها في الثمانية الأولى ، فصحت من أربعة وستين ; لامرأته ثمانية ، ولابنته اثنان وثلاثون ، ولامرأة أخيه ثمن الباقي ، ولابنته اثنا عشر ، ولمولاه الباقي تسعة . أخ وأخت غرقا ، ولهما أم وعم وزوجان .

                                                                                                                                            فمن ورث كل واحد من صاحبه ، جعل ميراث الأخ بين امرأته وأمه وأخته على ثلاثة عشر ، فما أصاب الأخت منها فهو بين زوجها وأمها وعمها على ستة ، فصحت المسألتان من ثلاثة عشر ; لامرأة الأخ ثلاثة ، ولزوج الأخت ثلاثة ، وللأم أربعة بميراثها من الأخ ، واثنان بميراثها من الأخت ، وللعم سهم ، وميراث الأخت بين زوجها وأمها وأخيها على ستة ; لأخيها سهم بين أمه وامرأته وعمه على اثني عشر ، تضربها في الأولى ، تكن من اثنين وسبعين ، والضرر في هذا القول على من يرت من أحد الميتين دون الآخر ، وينتفع به من يرث منهما

                                                                                                                                            ثلاثة إخوة من أبوين . غرقوا ، ولهم أم وعصبة ، فقدر موت أحدهم أولا ، فلأمه السدس ، والباقي لأخويه ، فتصح من اثني عشر ، لكل واحد من أخويه خمسة ، بين أمه وعصبته ، على ثلاثة ، فتضربها في الأولى ، تكن ستة وثلاثين ، للأم من ميراث الأول السدس ستة ، ومما ورثه كل واحد من الأخوين خمسة ، فصار لها ستة عشر ، والباقي للعصبة ، [ ص: 257 ] ولها من ميراث كل واحد من الأخوين مثل ذلك . ذكر هذه المسألة أبو بكر .

                                                                                                                                            ثلاثة إخوة مفترقين غرقوا ، وخلف كل واحد منهم أخته لأبويه ، فقدر موت الأخ من الأبوين أولا عن أخته من أبويه ، وأخويه من أبيه ، وأخويه من أمه ، فصحت مسألته من ثمانية عشر ; لأخيه من أمه منها ثلاثة بين أخته من أبويه وأخته من أمه ، على أربعة وأصاب الأخ من الأب منها اثنين ، بين أخيه من أبويه ، وأخته من أبيه ، على أربعة ، فتجتزئ بإحداهما ، وتضربها في الأولى ، تكن اثنين وسبعين ، ثم قدر موت الأخ من الأم ، عن أخت لأبوين ، وأخ ، وأخت لأم ، فمسألته من خمسة

                                                                                                                                            مات أخوه لأمه عن ثلاث أخوات مفترقات ، فهي من خمسة أيضا ، تضربها في الأولى ، تكن خمسة وعشرين ، ثم قدر موت الأخ من الأب ، عن أخت لأبويه ، وأخ وأخت لأبيه ، فهي من ستة ، ثم مات الأخ من الأب عن ثلاث أخوات مفترقات ، فهي من خمسة ، تضربها في الأولى ، تكن ثلاثين . فإن خلف بنتا وأخوين ، فلم يقتسموا التركة حتى غرق الأخوان ، وخلف أحدهما امرأة وبنتا وعما ; وخلف الآخر ابنتين ، وابنتين ; الأولى من أربعة ، مات أحدهم عن سهم ، ومسألته من ثمانية ، لأخيه منها ثلاثة بين أولاده على ستة رجعوا إلى اثنين ، تضربها في ثمانية ، تكن ستة عشر

                                                                                                                                            وفريضة الآخر من ستة ، يتفقان بالنصف ، فاضرب نصف إحداهما في الأخرى ، تكن ثمانية وأربعين ، ثم في أربعة ، تكن مائة واثنين وتسعين ، للبنت نصفها ، ولأولاد الأخ عن أبيهم ربعها ، وعن عمهم ثمانية عشر ، صار لهم ستة وستون ، ولامرأة الأخ ستة ، ولبنته أربعة وعشرون .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية