الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                باب حكم العزل

                                                                                                                1438 وحدثنا يحيى بن أيوب وقتيبة بن سعيد وعلي بن حجر قالوا حدثنا إسمعيل بن جعفر أخبرني ربيعة عن محمد بن يحيى بن حبان عن ابن محيريز أنه قال دخلت أنا وأبو صرمة على أبي سعيد الخدري فسأله أبو صرمة فقال يا أبا سعيد هل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر العزل فقال نعم غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة بلمصطلق فسبينا كرائم العرب فطالت علينا العزبة ورغبنا في الفداء فأردنا أن نستمتع ونعزل فقلنا نفعل ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا لا نسأله فسألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لا عليكم أن لا تفعلوا ما كتب الله خلق نسمة هي كائنة إلى يوم القيامة إلا ستكون حدثني محمد بن الفرج مولى بني هاشم حدثنا محمد بن الزبرقان حدثنا موسى بن عقبة عن محمد بن يحيى بن حبان بهذا الإسناد في معنى حديث ربيعة غير أنه قال فإن الله كتب من هو خالق إلى يوم القيامة

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                باب حكم العزل

                                                                                                                العزل هو أن يجامع فإذا قارب الإنزال نزع وأنزل خارج الفرج وهو مكروه عندنا في كل حال وكل امرأة سواء رضيت أم لا لأنه طريق إلى قطع النسل ، ولهذا جاء في الحديث الآخر تسميته الوأد الخفي ؛ لأنه قطع طريق الولادة كما يقتل المولود بالوأد .

                                                                                                                [ ص: 11 ] وأما التحريم فقال أصحابنا : لا يحرم في مملوكته ولا في زوجته الأمة سواء رضيتا أم لا لأن عليه ضررا في مملوكته بمصيرها أم ولد وامتناع بيعها وعليه ضرر في زوجته الرقيقة بمصير ولده رقيقا تبعا لأمه ، وأما زوجته الحرة فإن أذنت فيه لم يحرم ، وإلا فوجهان أصحهما : لا يحرم .

                                                                                                                ثم هذه الأحاديث مع غيرها يجمع بينها بأن ما ورد في النهي محمول على كراهة التنزيه وما ورد [ ص: 12 ] في الإذن في ذلك محمول على أنه ليس بحرام وليس معناه نفي الكراهة . هذا مختصر ما يتعلق بالباب من الأحكام والجمع بين الأحاديث ، وللسلف خلاف كنحو ما ذكرناه من مذهبنا ومن حرمه بغير إذن الزوجة الحرة قال : عليها ضرر في العزل فيشترط لجوازه إذنها .

                                                                                                                قوله ( غزوة بلمصطلق ) أي بني المصطلق وهي غزوة المريسيع قال القاضي : قال أهل البيت : هذا أولى من رواية موسى بن عقبة أنه كان في غزوة أوطاس .

                                                                                                                قوله : ( كرائم العرب ) أي النفيسات منهم ، قوله : ( فطالت علينا العزبة ورغبنا في الفداء ) معناه احتجنا إلى الوطء وخفنا من الحبل فتصير أم ولد يمتنع علينا بيعها وأخذ الفداء فيها . فيستنبط منه منع بيع أم الولد وأن هذا كان مشهورا عندهم .

                                                                                                                قوله صلى الله عليه وسلم : لا عليكم ألا تفعلوا ، ما كتب الله خلق نسمة هي كائنة إلى يوم القيامة إلا ستكون . معناه ما عليكم ضرر في ترك العزل لأن كل نفس قدر الله تعالى خلقها لا بد أن يخلقها سواء عزلتم أم لا ، وما لم يقدر خلقها لا يقع ، سواء عزلتم أم لا . فلا فائدة في عزلكم ، فإنه إن كان الله تعالى قدر خلقها سبقكم الماء فلا ينفع حرصكم في منع الخلق .

                                                                                                                وفي هذا الحديث دلالة لمذهب جماهير العلماء أن العرب يجري عليهم الرق كما يجري على العجم وأنهم إذا كانوا [ ص: 13 ] مشركين وسبوا جاز استرقاقهم لأن بني المصطلق عرب صلبية من خزاعة وقد استرقوهم ووطئوا سباياهم واستباحوا بيعهن وأخذ فدائهن . وبهذا قال مالك والشافعي في قوله الصحيح الجديد وجمهور العلماء ، وقال أبو حنيفة والشافعي في قوله القديم : لا يجري عليهم الرق لشرفهم . والله أعلم .




                                                                                                                الخدمات العلمية