الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 4927 ) مسألة ; قال : ( ومن بعضه حر يرث ، ويورث ، ويحجب على مقدار ما فيه من الحرية ) وجملته أن المعتق بعضه إذا كسب مالا ، ثم مات وخلفه ، نظر فيه ; فإن كان كسبه بجزئه الحر ، مثل أن كان قد هيأ سيده على منفعته ، فاكتسب في أيامه ، أو ورث شيئا ، فإن الميراث إنما يستحقه بجزئه الحر ، أو كان قد قاسم سيده في حياته ، فتركته كلها لورثته ، لا حق لمالك باقيه فيها . وقال قوم : جميع ما خلفه بينه وبين سيده

                                                                                                                                            قال ابن اللبان : هذا غلط ; لأن الشريك إذا استوفى حقه من كسبه مرة ، لم يبق له حق في الباقي ، ولا سبيل له على ما كسبه بنصفه الحر ، كما لو كان بين شريكين فاقتسما كسبه ، لم يكن لأحدهما حق في حصة ، الآخر ، والعبد يخلف أحد الشريكين فيما عتق منه . فأما إن لم يكن كسبه بجزئه الحر خاصة ، ولا اقتسما كسبه ، فلمالك باقيه من تركته بقدر ملكه فيه ، والباقي ، لورثته . وإن مات من يرثه ، فإنه يرث ، ويورث ، ويحجب على قدر ما فيه من الحرية

                                                                                                                                            وهذا قول علي ، وابن مسعود ، رضي الله عنهما ، وبه قال عثمان البتي ، وحمزة الزيات ، وابن المبارك ، والمزني ، وأهل الظاهر . وقال زيد بن ثابت : لا يرث ، ولا يورث ، وأحكامه أحكام العبد . وبه قال مالك ، والشافعي ، في القديم . وجعلا ماله لمالك باقيه . قال ابن اللبان : هذا غلط ; لأنه ليس لمالك باقيه على ما عتق منه ملك ، ولا ولاء ، ولا هو ذو رحم . قال ابن سريج : يحتمل على قول الشافعي رضي الله عنه القديم ، أن يجعل في بيت [ ص: 231 ] المال ; لأنه لا حق له فيما كسبه بجزئه الحر

                                                                                                                                            وقال الشافعي في الجديد : ما كسبه بجزئه الحر لورثته ، ولا يرث هو ممن مات شيئا . وبه قال طاوس ، وعمرو بن دينار ، وأبو ثور . وقال ابن عباس : هو كالحر في جميع أحكامه ، في توريثه ، والإرث منه ، وغيرهما . وبه قال الحسن ، وجابر بن زيد ، والشعبي ، والنخعي ، والحكم ، وحماد ، وابن أبي ليلى ، والثوري ، وأبو يوسف ، ومحمد ، واللؤلؤي ، ويحيى بن آدم ، وداود

                                                                                                                                            وقال أبو حنيفة : إن كان الذي لم يعتق استسعى العبد ، فله من تركته سعايته ، وله نصف ولائه ، وإن كان أغرم الشريك ، فولاؤه كله للذي أعتق بعضه . ولنا ، ما روى عبد الله بن أحمد ، حدثنا الرملي ، عن يزيد بن هارون ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في العبد يعتق بعضه : { يرث ويورث على قدر ما عتق منه } . ولأنه يجب أن يثبت لكل بعض حكمه ، كما لو كان الأخر مثله ، وقياسا لأحدهما على الأخر

                                                                                                                                            إذا ثبت هذا ، فالتفريع على قولنا ; لأن العمل على غيره واضح . وكيفية توريثه أن يعطى من له فرض بقدر ما فيه من الحرية من فرضه ، وإن كان عصبة نظر ما له مع الحرية الكاملة ، فأعطي بقدر ما فيه منها ، وإن كانا عصبتين لا يحجب أحدهما الآخر ، كابنين نصفهما حر ، ففيه وجهان ; أحدهما ، تكمل الحرية فيهما ، بأن تضم الحرية من أحدهما إلى ما في الآخر منها ، فإن كمل منهما واحد ، ورثا جميعا ميراث ابن حر ; لأن نصفي شيء شيء كامل ، ثم يقسم ما ورثاه بينهما على قدر ما في كل واحد منهم .

                                                                                                                                            فإذا كان ثلثا أحدهما حرا ، وثلث الآخر حرا كان ما ورثاه بينهما أثلاثا ، وإن نقص ما فيهما من الحرية عن حر كامل ، ورثا بقدر ما فيهما ، وإن زاد على حر واحد ، وكان الجزءان فيهما سواء ، قسم ما يرثانه بينهما بالسوية ، وإن اختلفا أعطي كل واحد منهما بقدر ما فيه . قال الخبري : قال الأكثرون : هذا قياس قول علي رضي الله عنه . والوجه الآخر ، لا تكمل الحرية فيهما ، لأنهما لو كملت لم يظهر للرق أثر ، وكانا في ميراثهما كالحرين ، وإن كان أحدهما يحجب الآخر ، فقد قيل فيهما وجهان أيضا . والصحيح أن الحرية لا تكمل هاهنا ; لأن الشيء لا يكمل بما يسقطه ، ولا يجمع بينه وبين ما ينافيه

                                                                                                                                            وورثه بعضهم بالخطاب ، وتنزيل الأحوال ، وحجب بعضهم ببعض على مثال تنزيل الخناثى .

                                                                                                                                            وقال أبو يوسف بمعناه . ومسائل ذلك ; ابن نصفه حر له نصف المال ، فإن كان معه ابن آخر نصفه حر فلهما المال ، في أحد الوجهين ، وفي الأخر ، لهما نصفه ، والباقي للعصبة ، أو لبيت المال إن لم تكن عصبة . ويحتمل أن يكون لكل واحد منهما ثلاثة أثمان المال ; لأنهما لو كانا حرين ، لكان لكل واحد منهما النصف

                                                                                                                                            ولو كانا رقيقين لم يكن لهما شيء ، ولو كان الأكبر وحده حرا كان له المال ، ولا شيء للأصغر ، ولو كان الأصغر وحده حرا كان له كذلك ، ولكل واحد منهما في الأربعة أحوال مال ونصف ، فله ربع ذلك ، وهو ثلاثة أثمان . فإن كان معهما ابن آخر ثلثه حر ، فعلى الوجه ، الأول ، ينقسم المال بينهم على ثمانية ، كما تقسم مسألة المباهلة ، وعلى الثاني يقسم النصف بينهم على ثمانية . وفيه وجه آخر ، يقسم الثلث بينهم أثلاثا ، ثم يقسم السدس بين صاحبي النصفين نصفين ، وعلى تنزيل الأحوال .

                                                                                                                                            يحتمل أن يكون لكل واحد ممن نصفه حر سدس المال ، وثمنه ، ولمن ثلثه حر ثلثا ذلك ، وهو [ ص: 232 ] تسع المال ، ونصف سدسه ; لأن لكل واحد المال في حال ، ونصفه في حالين ، وثلثه في حال ، فيكون له مالان وثلث ، في ثمانية أحوال ، فنعطيه ثمن ذلك ، وهو سدس وثمن ، ويعطى من ثلثه حر ثلثيه ، وهو تسع ، ونصف سدس .

                                                                                                                                            ابن حر ، وابن نصفه حر .

                                                                                                                                            المال بينهما على ثلاثة ، على الوجه الأول . وعلى الثاني النصف بينهما نصفان ، والباقي للحر ، فيكون للحر ثلاثة أرباع ، وللآخر الربع . ولو نزلتهما بالأحوال أفضى إلى هذا ; لأن للحر المال في حال ونصفه في حال ، فله نصفهما ، وهو ثلاثة أرباع ، وللآخر نصفه في حال ، فله نصف ذلك ، وهو الربع . ولو خاطبتهما لقلت للحر : لك المال لو كان أخوك رقيقا ، ونصفه لو كان حرا ، فقد حجبك بحريته عن النصف ، فنصفها يحجبك عن الربع ، يبقى لك ثلاثة أرباع .

                                                                                                                                            ويقال للآخر : لك النصف لو كنت حرا ، فإذا كان نصفك حرا ، فلك نصفه وهو الربع . ابن ثلثاه حر ، وابن ثلثه حر ، على الأول ، المال بينهما أثلاثا ، وعلى الثاني ، الثلث بينهما ، وللآخر ثلث فيكون له النصف ، وللآخر السدس ، وقيل الثلثان بينهما أثلاثا . وبالخطاب تقول لمن ثلثاه حر : لو كنت وحدك حرا ، كان المال لك ، ولو كنتما حرين ، كان لك النصف ، فقد حجبك بحريته عن النصف ، فبثلثها يحجبك عن السدس ، يبقى لك خمسة أسداس لو كنت حرا ، فلك بثلثي حريته خمسة أتساع

                                                                                                                                            ويقال للآخر : يحجبك أخوك بثلثي حريته ، عن ثلثي النصف ، وهو الثلث ، يبقى لك الثلثان ، فلك بثلث حريتهم ثلث ذلك ، وهو التسعان ، ويبقى التسعان للعصبة إن كان ، أو ذي رحم فإن لم يكن ففي بيت المال . ابن حر وبنت نصفها حر ، للابن خمسة أسداس المال ، وللبنت سدسه في الخطاب والتنزيل جميعا . ومن جمع الحرية أفضى قوله إلى أن له أربعة أخماس المال ، ولها الخمس

                                                                                                                                            فإن كانت بنت حرة وابن نصفه حر وعصبة ، فللابن الثلث ، ولها ربع وسدس . ومن جمع الحرية فيهما جعل المال بينهما نصفين . ابن وبنت نصفهما حر وعصبة ، فمن جمع الحرية ، فثلاثة أرباع المال بينهما على ثلاثة . وقال بعض البصريين : النصف بينهما على ثلاثة . ومن ورث بالتنزيل والأحوال قال : للابن المال في حال ، وثلثاه في حال ، فله ربع ذلك ، ربع وسدس ، وللبنت نصف ذلك ثمن ونصف سدس ، والباقي للعصبة

                                                                                                                                            وإن شئت قلت : إن قدرناهما حرين فهي من ثلاثة ، وإن قدرنا البنت وحدها حرة فهي من اثنين ، وإن قدرنا الابن وحده حرا فالمال له ، وإن قدرناهما رقيقين فالمال للعصبة ، فتضرب اثنين في ثلاثة تكن ستة ، ثم في أربعة أحوال ، تكن أربعة وعشرين ، فللابن المال في حال ستة ، وثلثاه في حال أربعة ، صار له عشرة ، وللبنت النصف في حال ، والثلث في حال خمسة ، وللعصبة المال في حال ، ونصفه في حال تسعة ، فإن لم تكن عصبة ، جعلت للبنت في حال حريتها المال كله بالفرض والرد ، فيكون لها مال وثلث ، فتجعل لها ربع ذلك ، وهو الثلث

                                                                                                                                            فإن كان معهما امرأة وأم حرتان كملت الحرية فيهما ، فحجبا الأم إلى السدس ، والمرأة إلى الثمن ; لأن كل واحد منهما لو انفرد لحجب نصف الحجب ، فإذا اجتمعا اجتمع الحجب . ومن ورث بالأحوال والتنزيل ، قال : للأم السدس في ثلاثة أحوال ، والثلث في حال ، فلها ربع ذلك ، وهو سدس وثلث وثمن ، وللمرأة الثمن في ثلاثة [ ص: 233 ] أحوال .

                                                                                                                                            والربع في حال ، فلها ربع ذلك ، وهو الثمن وربع الثمن ، وللابن الباقي في حال ، وثلثاه في حال ، فله ربعه ، وللبنت ثلث الباقي في حال ، والنصف في حال ، فلها ربعه ، وإن لم يكن في المسألة عصبة ، فللبنت بالفرض والرد أحد وعشرون من اثنين وثلاثين ، مكان النصف ، وللأم سبعة مكان السدس ، وتصح المسألة إذا لم يكن فيها رد بالبسط من مائتين وثمانية وثمانين سهما ، للأم منها ستون ، وللمرأة خمسة وأربعون ، وللابن خمسة وثمانون ، وللبنت ثلاثة وخمسون ، والباقي للعصبة

                                                                                                                                            وقياس قول من جمع الحرية في الحجب ، أن يجمع الحرية في التوريث ، فيجعل لهما ثلاثة أرباع الباقي . وقال ابن اللبان : لهما سبعة عشر من ثمانية وأربعين ; لأنهما لو كانا حرين لكان لهما سبعة عشر من أربعة وعشرين ، فيكون لهما بنصف حريتهم نصف ذلك .

                                                                                                                                            وهذا غلط ; لأنه جعل حجب كل واحد منهما لصاحبه بنصف حريته ، كحجبه إياه بجميعها ، ولو ساغ هذا لكان لهم حال انفرادهما النصف بينهما من غير زيادة

                                                                                                                                            ابن وأبوان ، نصف كل واحد منهم حر ، إن قدرناهم أحرارا ، فللابن الثلثان ، وإن قدرناه حرا وحده ، فله المال ، وإن قدرنا معه أحد الأبوين حرا فله خمسة أسداس ، فتجمع ذلك تجده ثلاثة أموال وثلثان ، فله ثمنها ، وهو ربع سدس ، وللأب المال في حال ، وثلثاه في حال ، وسدساه في حالين ، فله ثمن ذلك ربع ، وللأم الثلث في حالين ، والسدس في حالين ، فلها الثمن ، والباقي للعصبة . وإن عملتها بالبسط قلت : إن قدرناهم أحرارا ، فهي من ستة .

                                                                                                                                            وإن قدرنا الابن وحده حرا ، فهي من سهم ، فكذلك الأب ، وإن قدرنا الأم وحدها حرة ، أو قدرناها مع حرية الأب ، فهي من ثلاثة ، وإن قدرنا الابن مع الأب ، أو مع الأم فهي من ستة ، وإن قدرناهم رقيقا ، فالمال للعصبة ، وجميع المسائل تدخل في ستة ، فتضربها في الأحوال ، وهي ثمانية ، تكن ثمانية وأربعين ، وللابن المال في حال ستة ، وثلثاه في حال أربعة ، وخمسة أسداسه في حالين عشرة ، فذلك عشرون سهما من ثمانية وأربعين ، وللأب المال في حال ستة ، وثلثاه في حال ، وسدساه في حالين ، وذلك اثنا عشر ، وللأم الثلث في حالين

                                                                                                                                            ، والسدس في حالين ، وذلك ستة ، وهي الثمن ، وإن كان ثلث كل واحد منهم حرا ، زدت على الستة نصفها ، تصير تسعة ، وتضربها في الثمانية ، تكن اثنين وسبعين ، فللابن عشرون من اثنين وسبعين ، وهي السدس والتسع ، وللأب اثنا عشر ، وهي السدس ، وللأم ستة ، وهي نصف السدس ، ولا تتغير سهامهم ، وإنما صارت منسوبة إلى اثنين وسبعين . وإن كان ربع كل واحد منهم حرا ، زدت على الستة مثلها . وقيل فيما إذا كان نصف كل واحد منهم حرا : للأم الثمن ، وللأب الربع ، وللابن النصف .

                                                                                                                                            ابن نصفه حر وأم حرة ، للأم الربع ، وللابن النصف

                                                                                                                                            وقيل : له ثلاثة أثمان ، وهو نصف ما يبقى ، فإن كان بدل الأم أختا حرة ، فلها النصف . وقيل : لها نصف الباقي ; لأن الابن يحجبها بنصفه عن نصف فرضها ، فإن كان نصفها حرا ، فلها الثمن ، على هذا القول ، وعلى الأول ، لها الربع . وإن كان مع الابن أخت من أم ، أو أخ من أم ، فلكل واحد منهما نصف السدس . وإن كان معه عصبة حر ، فله الباقي كله .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية