الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر الخبر عن فتح الأهواز ومناذر ونهر تيرى

وفي هذه السنة فتحت الأهواز ومناذر ونهر تيرى ، وقيل : كانت ست عشرة .

وكان السبب في هذا الفتح أنه لما انهزم الهرمزان يوم القادسية ، وهو أحد البيوتات السبعة في أهل فارس ، وكانت أمته منهم مهرجانقذق وكور الأهواز ، فلما انهزم قصد خوزستان فملكها وقاتل بها من أرادهم ، فكان الهرمزان يغير على أهل ميسان ودستميسان من مناذر ونهر تيرى . فاستمد عتبة بن غزوان سعدا فأمده بنعيم بن مقرن ونعيم بن مسعود ، وأمرهما أن يأتيا أعلى ميسان ودستميسان حتى يكونا بينهم وبين نهر تيرى ، ووجه عتبة بن غزوان سلمى بن القين وحرملة بن مريطة ، وكانا من المهاجرين مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهما من بني العدوية من بني حنظلة ، فنزلا على حدود ميسان ودستميسان بينهم وبين مناذر ، ودعوا بني العم ، فخرج إليهم غالب الوائلي وكليب بن وائل الكليبي ، [ ص: 365 ] فتركا نعيما ونعيما وأتيا سلمى وحرملة وقالا : أنتما من العشيرة وليس لكما منزل ، فإذا كان يوم كذا وكذا فانهدا للهرمزان ، فإن أحدنا يثور بمناذر ، والآخر بنهر تيرى ، فنقتل المقاتلة ، ثم يكون وجهنا إليكم ، فليس دون الهرمزان شيء إن شاء الله . ورجعا وقد استجابا ، واستجاب قومهما بنو العم بن مالك ، وكانوا ينزلون خوزستان قبل الإسلام ، فأهل البلاد يأمنونهم . فلما كان تلك الليلة ليلة الموعد بين سلمى وحرملة وغالب وكليب ، وكان الهرمزان يومئذ بين نهر تيرى وبين دلث ، وخرج سلمى وحرملة صبيحتهما في تعبئة وأنهضا نعيما ومن معه ، فالتقوا هم والهرمزان بين دلث ونهر تيرى ، وسلمى بن القين على أهل البصرة ، ونعيم بن مقرن على أهل الكوفة ، فاقتتلوا .

فبينا هم على ذلك أقبل مدد من قبل غالب وكليب ، وأتى الهرمزان الخبر بأن مناذر نهر تيرى قد أخذوا ، فكسر ذلك قلب الهرمزان ومن معه ، وهزمه الله وإياهم ، فقتل المسلمون منهم ما شاءوا وأصابوا ما شاءوا ، واتبعوهم حتى وقفوا على شاطئ دجيل ، وأخذوا ما دونه وعسكروا بحيال سوق الأهواز ، وعبر الهرمزان جسر سوق الأهواز وأقام ، وصار دجيل بين الهرمزان والمسلمين . فلما رأى الهرمزان ما لا طاقة له به طلب الصلح ، فاستأمروا عتبة ، فأجاب إلى ذلك على الأهواز كلها ومهرجانقذق ، ما خلا نهر تيرى ومناذر ، وما غلبوا عليه من سوق الأهواز فإنه لا يرد عليهم ، وجعل سلمى على مناذر مسلحة وأمرها إلى غالب ، وحرملة على نهر تيرى وأمرها إلى كليب ، فكانا على مسالح البصرة . وهاجرت طوائف من بني العم فنزلوا البصرة .

ووفد عتبة وفدا إلى عمر ، منهم : سلمى وجماعة من أهل البصرة ، فأمرهم عمر أن يرفعوا حوائجهم ، فكلمهم قال : أما العامة فأنت صاحبها ، وطلبوا لأنفسهم ، إلا ما كان من الأحنف بن قيس ، فإنه قال : يا أمير المؤمنين إنك كما ذكروا ، ولقد يعزب عنك ما يحق علينا إنهاؤه إليك مما فيه صلاح العامة ، وإنما ينظر الوالي فيما غاب عنه بأعين أهل الخبر ويسمع بآذانهم ، فإن إخواننا من أهل الكوفة نزلوا في مثل حدقة البعير الغاسقة من العيون العذاب والجنان الخصاب فتأتيهم ثمارهم ولم يحصدوا ، وإنا معشر أهل البصرة نزلنا سبخة وزعقة نشاشة ، طرف لها في الفلاة وطرف لها في البحر [ ص: 366 ] الأجاج ، يجري إليها ما جرى في مثل مريء النعامة ، دارنا فعمة ، ووظيفتنا ضيقة ، وعددنا كثير ، وأشرافنا قليل ، وأهل البلاء فينا كثير ، ودرهمنا كبير ، وقفيزنا صغير ، وقد وسع الله علينا وزادنا في أرضنا ، فوسع علينا يا أمير المؤمنين وزدنا وظيفة توظف علينا ونعيش بها . فلما سمع عمر قوله أحسن إليهم وأقطعهم مما كان فيئا لأهل كسرى وزادهم ، ثم قال : هذا الفتى سيد أهل البصرة . وكتب إلى عتبة فيه بأن يسمع منه ويرجع إلى رأيه ، وردهم إلى بلدهم .

وبينا الناس على ذلك من ذمتهم مع الهرمزان ، وقع بين الهرمزان وغالب وكليب في حدود الأرضين اختلاف ، فحضر سلمى وحرملة لينظرا فيما بينهم ، فوجدا غالبا وكليبا محقين والهرمزان مبطلا ، فحالا بينهما وبينه ، فكفر الهرمزان ومنع ما قبله ، واستعان بالأكراد وكف جنده ، وكتب سلمى ومن معه إلى عتبة بذلك ، فكتب عتبة إلى عمر ، فكتب إليه عمر يأمره بقصده ، وأمد المسلمين بحرقوص بن زهير السعدي ، كانت له صحبة من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأمره على القتال وعلى ما غلب عليه . وسار الهرمزان ومن معه ، وسار المسلمون إلى جسر سوق الأهواز وأرسلوا إليه : إما أن تعبر إلينا أو نعبر إليكم . فقال : اعبروا إلينا ، فعبروا فوق الجسر فاقتتلوا مما يلي سوق الأهواز ، فانهزم الهرمزان وسار إلى رامهرمز ، وفتح حرقوص سوق الأهواز ، ونزل بها واتسعت له بلادها إلى تستر ، ووضع الجزية ، وكتب بالفتح إلى عمر وأرسل إليه الأخماس .

التالي السابق


الخدمات العلمية