الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : باب في الاستهلال

                                                                                                                                            روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : ما من مولود يولد إلا ركضه الشيطان فيستهل صارخا من [ ص: 172 ] ركضته إلا عيسى ابن مريم وأمه عليهما السلام ، ثم قرأ وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم [ آل عمران 36 ] ، فمتى استهل المولود صارخا فلا خلاف بين الفقهاء أنه يرث ويورث .

                                                                                                                                            روى محمد بن عبد الله بن قسيط عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : إن استهل المولود ورث والاستهلال هو الصراخ ورفع الصوت ، ولذلك قيل : إهلال الحج لرفع الصوت فيه بالتلبية ، وسمي الهلال هلالا لاستهلال الناس بذكر الله تعالى عند رؤيته ، فأما ما سوى الاستهلال فقد اختلف الناس فيه ، فحكي عن شريح والنخعي وأبي سلمة بن عبد الرحمن أنه يرث حتى يستهل صارخا ولا يقوم غير الاستهلال مقام الاستهلال ، وقال الزهري : العطاس استهلال ويورث به ، وبه قال مالك بن أنس وقال القاسم بن محمد : البكاء والعطاس استهلال ويرث بالثلاثة لا غير .

                                                                                                                                            وقال الشافعي وأبو حنيفة والصحابة بأي وجه علمت حياته من حركة ، أو صياح ، أو بكاء ، أو عطاس ورث وورث : لأن الحياة علة الميراث فبأي وجه علمت فقد وجدت ووجودها موجب لتعلق الإرث بها ، ثم اختلفوا إذا استهل قبل انفصاله ، ثم خرج ميتا ، فقال أبو حنيفة وأصحابه : إذا استهل بعد خروج أكثره ورث وورث وإن خرج باقيه ميتا . وعلى مذهب الشافعي أنه لا يرث إلا أن يستهل بعد انفصاله : لأنه في حكم الحمل ما لم ينفصل .

                                                                                                                                            ألا ترى أن العدة لا تنقضي به وزكاة الفطر لا تجب عليه إلا بعد انفصاله ؟ وكذلك الميراث ، فإذا تقرر هذا ومات رجل وخلف ابنين وزوجة حاملا فولد له ابنا وبنتا فاستهل الابن أولا ثم مات ، ثم استهلت البنت بعده ثم ماتت ، فالمسألة الأولى من ثمانية : لأن فيها زوجة وثلاثة بنين وبنتا ، ثم مات الابن المستهل عن سهمين منها .

                                                                                                                                            والمسألة من ستة لأن فيها أما وأخوين وأختا فعادت المسألة الأولى بالاختصار إلى ستة : لأن الباقي ستة ، ثم ماتت البنت المستهلة عن سهم منها ومسألتها من اثني عشر : لأن فيها أما وأخوين فاضربها في الستة التي رجعت المسألة إليها يكن اثنتين وسبعين ، ومنها تصح المسائل ، فمن كان له شيء من اثني عشر أخذه مضروب له في واحد ، ومن كان له شيء من ستة فهو مضروب له في اثني عشر ، فلو كانت البنت هي المستهلة أولا وماتت ، ثم استهل الابن بعدها ومات فقد ماتت البنت عن سهم من ثمانية ومسألتها من ثمانية عشر : لأن فيها أما وثلاثة إخوة ، فاضرب الثمانية عشر في الثمانية يكن مائة وأربعة وأربعين ، من له شيء من ثمانية مضروب له في ثمانية عشر ، ومن له شيء من ثمانية عشر مضروب له في واحد هو تركة البنت المستهلة .

                                                                                                                                            فعلى هذا كان للابن المستهل بعدها سهمان من ثمانية في ثمانية عشر يكن ستة وثلاثين ، وله خمسة من ثمانية عشر في واحد ، فصار ماله منها أحدا وأربعين من مائة وأربعة وأربعين ، ثم مات عنها ومسألته من اثني عشر : لأن فيها أما وأخوين وهي لا توقف تركته بشيء ، فاضرب اثني عشر في مائة وأربعة وأربعين تكن ألفا وسبعمائة وثمانية وعشرين سهما ، ومنها [ ص: 173 ] يصح له شيء من مائة وأربعة وأربعين مضروب له في اثني عشر ومن له شيء من اثني عشر مضروب له في أحد وأربعين ، فلو مات رجل وخلف أما وأخا وأم ولد حاملا منه فولدت ابنا وبنتا توءمين فاستهل أحدهما ووجدا ميتين ، ولم يعلم أيهما كان المستهل فالعمل في مسائل هذا الفصل مشترك بين عمل المناسخات : لأن الوارث المستهل قد صار موروثا وبين عمل مسائل المعقود لاستخراج أقل الأنصباء فنقول إن كان الابن هو المستهل فللأم السدس ، والباقي للابن وهو خمسة أسهم ، ثم مات عنها ومسألته من ثلاثة : لأن فيها أما وعما ، فاضرب ثلاثة في ستة تكن ثمانية عشر للأم منها سهم من ستة في ثلاثة تكن ثلاثة ولأم الولد سهم من ثلاثة في خمس تكن خمسة وللعم سهمين من ثلاثة في خمسة تكن عشرة .

                                                                                                                                            وإن كانت البنت هي المستهلة فللأم السدس وللبنت النصف ، والباقي للأخ هي من ستة ، ثم ماتت البنت عن ثلاثة أسهم ومسألتها من ثلاثة : لأن فيها أما وعما فينقسم سهامها عليهما الستة تدخل في الثمانية عشر وهي توافقها بالأسداس ، من له شيء من إحدى المسألتين مضروب له في سدس الأخرى فللأم السدس من المسألتين فهو لها : لأن لها من الأول ثلاثة من ثمانية عشر مضروب في سدس الستة وهو واحد تكن ثلاثة ولها من الستة واحد مضروب في سدس الثمانية عشر وهو ثلاثة تكن ثلاثة فاستوى سهمها في المسألتين فأخذته ولأم الولد الأولى خمسة من ثمانية عشر مضروبة في سدس الستة وهو واحد يكن خمسة ولها من الستة سهم من ستة مضروب في سدس الثمانية عشر وهو ثلاثة يكن ثلاثة فتعطى ثلاثة أسهم : لأنه أقل النصيبين ، وللأخ من الأولى عشرة مضروبة في واحد تكن عشرة وله من الثانية أربعة أسهم مضروبة في ثلاثة تكن اثني عشر فيعطى عشرة أسهم : لأنه أقل النصيبين ، ويوقف سهمان من العم وأم الولد حتى يصطلحا عليه : لأنه لا شيء فيه للأم ، ثم على قياس هذا ، والله أعلم بالصواب .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية