الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر عزل المغيرة عن البصرة وولاية أبي موسى

في هذه السنة عزل عمر المغيرة بن شعبة عن البصرة ، واستعمل عليها أبا موسى ، وأمره أن يشخص إليه المغيرة بن شعبة في ربيع الأول ; قاله الواقدي .

وكان سبب عزله أنه كان بين أبي بكرة والمغيرة بن شعبة منافرة ، وكانا متجاورين بينهما طريق ، وكانا في مشربتين في كل واحدة منهما كوة مقابلة الأخرى ، فاجتمع إلى أبي بكرة نفر يتحدثون في مشربته ، فهبت الريح ففتحت باب الكوة ، فقام أبو بكرة ليسده ، فبصر بالمغيرة وقد فتحت الريح باب كوة مشربته ، وهو بين رجلي امرأة ، فقال للنفر : قوموا فانظروا . فقاموا فنظروا ، وهم أبو بكرة ونافع بن كلدة وزياد بن أبيه ، وهو أخو أبي بكرة لأمه ، وشبل بن معبد البجلي ، فقال لهم : اشهدوا ، قالوا : ومن هذه ؟ قال : أم جميل بنت الأفقم ، وكانت من بني عامر بن صعصعة ، وكانت تغشى المغيرة والأمراء ، وكان بعض النساء يفعلن ذلك في زمانها ، فلما قامت عرفوها . فلما خرج المغيرة إلى الصلاة منعه أبو بكرة وكتب إلى عمر ، فبعث عمر أبا موسى أميرا على البصرة وأمره بلزوم السنة ، فقال : أعني بعدة من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإنهم في هذه الأمة كالملح . قال له : خذ من أحببت . فأخذ معه تسعة وعشرين رجلا ، منهم : أنس بن مالك وعمران بن حصين وهشام بن عامر ، وخرج معهم فقدم البصرة ، فدفع الكتاب بإمارته إلى المغيرة ، وهو أوجز كتاب وأبلغه : أما بعد فإنه بلغني نبأ عظيم ، فبعثت أبا موسى أميرا ، فسلم إليه ما في يدك والعجل . فأهدى إليه المغيرة وليدة تسمى عقيلة .

ورحل المغيرة ومعه أبو بكرة والشهود ، فقدموا على عمر ، فقال له المغيرة : سل [ ص: 364 ] هؤلاء الأعبد كيف رأوني أمستقبلهم أم مستدبرهم ، وكيف رأوا المرأة أو عرفوها ، فإن كانوا مستقبلي فكيف لم أستتر ، أو مستدبري فبأي شيء استحلوا النظر إلي في منزلي على امرأتي ؟ والله ما أتيت إلا امرأتي ! وكانت تشبهها . فشهد أبو بكرة أنه رآه على أم جميل يدخله كالميل في المكحلة ، وأنه رآهما مستدبرين ، وشهد شبل ونافع مثل ذلك . وأما زياد فإنه قال : رأيته جالسا بين رجلي امرأة ، فرأيت قدمين مخضوبتين تخفقان ، واستين مكشوفتين وسمعت حفزا شديدا . قال : هل رأيت كالميل في المكحلة ؟ قال : لا . قال : هل تعرف المرأة ؟ قال : لا ولكن أشبهها . قال : فتنح . وأمر بالثلاثة فجلدوا الحد . فقال المغيرة : اشفني من الأعبد . قال : اسكت أسكت الله نأمتك ، أما والله لو تمت الشهادة لرجمتك بأحجارك !

التالي السابق


الخدمات العلمية