الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        باب إذا وكل رجل رجلا أن يعطي شيئا ولم يبين كم يعطي فأعطى على ما يتعارفه الناس

                                                                                                                                                                                                        2185 حدثنا المكي بن إبراهيم حدثنا ابن جريج عن عطاء بن أبي رباح وغيره يزيد بعضهم على بعض ولم يبلغه كلهم رجل واحد منهم عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فكنت على جمل ثفال إنما هو في آخر القوم فمر بي النبي صلى الله عليه وسلم فقال من هذا قلت جابر بن عبد الله قال ما لك قلت إني على جمل ثفال قال أمعك قضيب قلت نعم قال أعطنيه فأعطيته فضربه فزجره فكان من ذلك المكان من أول القوم قال بعنيه فقلت بل هو لك يا رسول الله قال بل بعنيه قد أخذته بأربعة دنانير ولك ظهره إلى المدينة فلما دنونا من المدينة أخذت أرتحل قال أين تريد قلت تزوجت امرأة قد خلا منها قال فهلا جارية تلاعبها وتلاعبك قلت إن أبي توفي وترك بنات فأردت أن أنكح امرأة قد جربت خلا منها قال فذلك فلما قدمنا المدينة قال يا بلال اقضه وزده فأعطاه أربعة دنانير وزاده قيراطا قال جابر لا تفارقني زيادة رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يكن القيراط يفارق جراب جابر بن عبد الله [ ص: 566 ]

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        [ ص: 566 ] قوله : ( باب : إذا وكل رجل رجلا أن يعطي شيئا ولم يبين كم يعطي فأعطى على ما يتعارفه الناس ) أي : فهو جائز ، فيه حديث جابر في قصة بيعه الجمل ، وسيأتي شرحه في كتاب الشروط . وشاهد الترجمة منه قوله فيه : " يا بلال ، اقضه وزده . فأعطاه أربعة دنانير وزاده قيراطا " فإنه لم يذكر قدر ما يعطيه عند أمره بإعطاء الزيادة فاعتمد بلال على العرف في ذلك فزاده قيراطا .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( عن عطاء بن أبي رباح وغيره ، يزيد بعضهم على بعض ولم يبلغه كله رجل منهم ) كذا للأكثر ، وكذا وقع عند الإسماعيلي ، أي : ليس جميع الحديث عند واحد منهم بعينه وإنما عند بعضهم منه ما ليس عند الآخر ، ووقع لبعضهم : " لم يبلغه كلهم ، رجل واحد منهم " وعليه شرح ابن التين وزعم أن معناه أن بين بعضهم وبين جابر فيه واسطة . وعند أبي نعيم في المستخرج : " لم يبلغه كله إلا رجل واحد عن جابر " ومثله للحميدي في جمعه ، وبخط الدمياطي في نسخته من البخاري : " لم يبلغه " بالتشديد ، وقال الكرماني قوله : " يزيد بعضهم " الضمير فيه يرجع إلى الغير وفي " لم يبلغه " إلى الحديث أو الرسول ، و " رجل " بدل من كل . قلت : الضمير للحديث جزما لا للرسول ؛ لأن السند متصل . ثم قال الكرماني : وفي أكثر الروايات لفظة " وغيره " بالجر ، وأما رفعه فعلى الابتداء و " يزيد " خبره ، ويحتمل أن يكون " رجل " فاعل فعل مقدر ليبلغه ، وعلى التقادير لا يخفى ما في هذا التركيب من التعجرف .

                                                                                                                                                                                                        قلت : إنما جاء التعجرف من عدم فهم المراد ، وإلا فمعنى الكلام أن ابن جريج روى هذا الحديث عن عطاء وعن غير عطاء كلهم عن جابر ، لكنه عنده عنهم بالتوزيع : روى عن كل واحد قطعة من الحديث . وقوله : " لم يبلغه كله رجل " أي : لم يسقه [ ص: 567 ] بتمامه ، فهو بيان منه لصورة تحمله ، وهو كقول الزهري في حديث الإفك : " وكل حدثني طائفة من حديثها لكنه زاد عليه " نفى أن يكون كل واحد منهم ساقه بتمامه ، فأي تعجرف في هذا؟ والعجب من شارح ترك الرواية المشهورة التي لا قلق في تركيبها وتشاغل بتجويز شيء لم يثبت في الرواية ، ثم يطلق على الجميع التعجرف ، أفهذا شارح أو جارح؟ ووقفت من تسمية من روى ابن جريج عنه هذا الحديث عن جابر على أبي الزبير ، وقد تقدم في الحج شيء من ذلك .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( على جمل ثفال ) بفتح المثلثة بعدها فاء خفيفة هو البعير البطيء السير ، يقال : ثفال وثفيل ، وأما الثفال بكسر أوله فهو ما يوضع تحت الرحى لينزل عليه الدقيق . وقال ابن التين : من ضبط الثفال الذي هو البعير بكسر أوله فقد أخطأ . وقوله : " أربعة دنانير " كذا للجميع ، وذكره الداودي الشارح بلفظ : " أربع الدنانير " وقال : سقطت الهاء لما دخلت الألف واللام ، وذلك جائز فيما دون العشرة . وتعقبه ابن التين بأنه قول مخترع لم يقله أحد غيره ، وقوله : " فلم يكن القيراط يفارق قراب جابر " كذا لأبي ذر والنسفي بقاف ، قال الداودي الشارح : يعني : خريطته . وتعقبه ابن التين بأن المراد قراب سيفه ، وأن الخريطة لا يقال لها قراب . انتهى . وقد وقع في رواية الأكثر " جراب " فهو الذي حمل الداودي على تأويله المذكور وقد زاد مسلم في آخر هذا الحديث من وجه آخر " فأخذه أهل الشام يوم الحرة " قال ابن بطال : فيه الاعتماد على العرف لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يعين قدر الزيادة في قوله : " وزده " فاعتمد بلال على العرف ، فاقتصر على قيراط ، فلو زاد مثلا دينارا لتناوله مطلق الزيادة لكن العرف يأباه ، كذا قال ، وقد ينازع في ذلك باحتمال أن يكون هذا القدر كان النبي - صلى الله عليه وسلم - أذن في زيادته ، وذلك القدر الذي زيد عليه كأن يكون أمره أن يزيد من يأمر له بالزيادة على كل دينار ربع قيراط فيكون عمله في ذلك بالنص لا بالعرف .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية