الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 4834 ) مسألة قال : ( وإذا كان زوج وأم وإخوة وأخوات لأم وأخت لأب وأم وأخوات لأب ، فللزوج النصف ، وللأم السدس ، وللإخوة وللأخوات من الأم الثلث بينهم بالتسوية ، وللأخت من الأب والأم النصف ، وللأخوات من الأب السدس ) أما التسوية بين ولد الأم ، فلا نعلم فيه خلافا ، إلا رواية شذت عن ابن عباس ، أنه فضل الذكر على الأنثى ; لقول الله تعالى : { فهم شركاء في الثلث } . وقال في آية أخرى : { وإن كانوا إخوة رجالا ونساء فللذكر مثل حظ الأنثيين } . ولنا ، قول الله تعالى : { وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما السدس } . فسوى بين الذكر والأنثى ، وقوله : { فهم شركاء في الثلث } . من غير تفضيل لبعضهم على بعض ، يقتضي التسوية بينهم ، كما لو وصى لهم بشيء أو أقر لهم به . وأما الآية الأخرى ، فالمراد بها ولد الأبوين ، وولد الأب ، بدليل أنه جعل للواحدة النصف وللاثنتين الثلثين ، وجعل الأخ يرث أخته الكل ثم هذا مجمع عليه فلا عبرة بقول شاذ ، وتوريث ولد الأم هاهنا الثلث والأم السدس والزوج النصف ، تسمية لا خلاف فيها أيضا . وقد اجتمع في هذه المسألة فروض يضيق المال عنها ، فإن النصف للزوج ، والنصف للأخت من الأبوين ، يكمل المال بهما ، ويزيد ثلث ولد الأم ، وسدس الأم ، وسدس الأخت من الأب ، فتعول المسألة بثلثيها ، وأصلها من ستة أسهم ، فتعول إلى عشرة ، وتسمى أم الفروخ ; لكثرة عولها ، شبهوا أصلها بالأم ، وعولها بفروخها ، وليس في الفرائض مسألة تعول بثلثيها سوى هذه وشبهها ، ولا بد في أم الفروخ من زوج واثنين فصاعدا ، من ولد الأم ، وأم أو جدة ، واثنين من ولد الأبوين ، أو الأب ، أو إحداهما من ولد الأبوين ، والأخرى من ولد الأب ، فمتى اجتمع فيها هذا ، عالت إلى عشرة ، ومعنى العول أن تزدحم فروض لا يتسع المال لها ، كهذه المسألة ، فيدخل النقص عليهم كلهم ، ويقسم المال بينهم على قدر فروضهم ، كما يقسم مال المفلس بين غرمائه بالحصص ; لضيق ماله عن وفائهم ، ومال الميت بين أرباب الديون إذا لم يف لها ، والثلث بين أرباب الوصايا إذا عجز عنها . وهذا قول عامة الصحابة ، ومن تبعهم من العلماء رضي الله عنهم ، يروى ذلك عن عمر ، وعلي ، والعباس ، وابن مسعود ، وزيد . وبه قال مالك في أهل المدينة ، والثوري ، وأهل العراق ، والشافعي ، وأصحابه ، وإسحاق ، ونعيم بن حماد ، وأبو ثور ، وسائر أهل العلم ، إلا ابن عباس ، وطائفة شذت يقل عددها . نقل ذلك عن محمد بن الحنفية ، ومحمد بن علي بن الحسين ، وعطاء ، وداود ، فإنهم قالوا : لا تعول المسائل [ ص: 175 ] روي عن ابن عباس ، أنه قال ، في زوج ، وأخت ، وأم : من شاء باهلته أن المسائل لا تعول ، إن الذي أحصى رمل عالج عددا أعدل من أن يجعل في مال نصفا ، ونصفا ، وثلثا ، هذان نصفان ذهبا بالمال ، فأين موضع الثلث ؟ فسميت هذه المسألة مسألة المباهلة لذلك ، وهي أول مسألة عائلة حدثت في زمن عمر رضي الله عنه فجمع الصحابة للمشورة فيها ، فقال العباس أرى أن تقسم المال بينهم على قدر سهامهم . فأخذ به عمر ، رضي الله عنه واتبعه الناس على ذلك ، حتى خالفهم ابن عباس ، فروى الزهري ، عن عبد الله بن عبد الله بن عتبة ، قال : لقيت زفر بن أوس البصري ، فقال : نمضي إلى عبد الله بن عباس نتحدث عنده ، فأتيناه ، فتحدثنا عنده ، فكان من حديثه ، أنه قال : سبحان الذي أحصى رمل عالج عددا ، ثم يجعل في مال نصفا ، ونصفا ، وثلثا ، ذهب النصفان بالمال ، فأين موضع الثلث ، وأيم الله ، لو قدموا من قدم الله ، وأخروا من أخر الله ، ما عالت فريضة أبدا ، فقال زفر : فمن الذي قدمه الله ، ومن الذي أخره الله ؟ فقال : الذي أهبطه من فرض إلى فرض ، فذلك الذي قدمه الله ، والذي أهبطه من فرض إلى ما بقي ، فذلك الذي أخره الله . فقال زفر : فمن أول من أعال الفرائض ؟ قال : عمر بن الخطاب . فقلت : ألا أشرت عليه ؟ فقال : هبته ، وكان امرأ مهيبا . قوله : من أهبطه من فريضة إلى فريضة ، فذلك الذي قدمه الله . يريد أن الزوجين والأم لكل واحد منهم فرض ، ثم يحجب إلى فرض آخر لا ينقص منه ، وأما من أهبطه من فرض إلى ما بقي ، يريد البنات والأخوات ، فإنهن يفرض لهن ، فإذا كان معهن إخوتهن ، ورثوا بالتعصيب ، فكان لهم ما بقي ، قل أو كثر ، فكان مذهبه ، أن الفروض إذا ازدحمت رد النقص على البنات والأخوات . ولنا ، أن كل واحد من هؤلاء لو انفرد أخذ فرضه ، فإذا ازدحموا وجب أن يقتسموا على قدر الحقوق ، كأصحاب الديون والوصايا ، ولأن الله تعالى فرض للأخت النصف ، كما فرض للزوج النصف ، وفرض للأختين الثلثين ، .

                                                                                                                                            كما فرض الثلث للأختين من الأم ، فلا يجوز إسقاط فرض بعضهم ، مع نص الله تعالى عليه ، بالرأي والتحكم ، ولم يمكن الوفاء بها ، فوجب أن يتساووا في النقص على قدر الحقوق ، كالوصايا ، والديون ، وقد يلزم ابن عباس على قوله مسألة فيها زوج ، وأم ، وأخوان من أم ، فإن حجب الأم إلى السدس خالف مذهبه في حجب الأم بأقل من ثلاثة من الإخوة ، وإن نقص الأخوين من الأم ، رد النقص على من لم يهبطه الله من فرض إلى ما بقي ، وإن أعال المسألة ، رجع إلى قول الجماعة .

                                                                                                                                            وترك مذهبه ، ولا نعلم اليوم قائلا بمذهب ابن عباس ، ولا نعلم خلافا بين فقهاء الأمصار في القول بالعول ، بحمد الله ومنه .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية