الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( وإذا قيل لهم اتقوا ما بين أيديكم وما خلفكم لعلكم ترحمون ( 45 ) وما تأتيهم من آية من آيات ربهم إلا كانوا عنها معرضين ( 46 ) )

يقول - تعالى ذكره - : وإذا قيل لهؤلاء المشركين بالله ، المكذبين رسوله محمدا - صلى الله عليه وسلم - : احذروا ما مضى بين أيديكم من نقم الله ومثلاته بمن حل ذلك به من الأمم قبلكم أن يحل مثله بكم بشرككم وتكذيبكم رسوله . ( وما خلفكم ) [ ص: 526 ] يقول : وما بعد هلاككم مما أنتم لاقوه إن هلكتم على كفركم الذي أنتم عليه ( لعلكم ترحمون ) يقول : ليرحمكم ربكم إن أنتم حذرتم ذلك ، واتقيتموه بالتوبة من شرككم والإيمان به ، ولزوم طاعته فيما أوجب عليكم من فرائضه .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله ( وإذا قيل لهم اتقوا ما بين أيديكم ) : وقائع الله فيمن خلا قبلهم من الأمم وما خلفهم من أمر الساعة .

وكان مجاهد يقول في ذلك ما حدثني محمد بن عمرو قال : ثنا أبو عاصم قال : ثنا عيسى ; وحدثني الحارث قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله ( ما بين أيديكم ) قال : ما مضى من ذنوبهم ، وهذا القول قريب المعنى من القول الذي قلنا ، لأن معناه : اتقوا عقوبة ما بين أيديكم من ذنوبكم ، وما خلفكم مما تعملون من الذنوب ولم تعملوه بعد ، فذلك بعد تخويف لهم العقاب على كفرهم .

وقوله ( وما تأتيهم من آية من آيات ربهم إلا كانوا عنها معرضين ) يقول - تعالى ذكره - : وما تجيء هؤلاء المشركين من قريش آية ، يعني حجة من حجج الله ، وعلامة من علاماته على حقيقة توحيده ، وتصديق رسوله ، إلا كانوا عنها معرضين ، لا يتفكرون فيها ، ولا يتدبرونها ، فيعلموا بها ما احتج الله عليهم بها .

فإن قال قائل : وأين جواب قوله ( وإذا قيل لهم اتقوا ما بين أيديكم وما خلفكم ) ؟ قيل : جوابه وجواب قوله ( وما تأتيهم من آية من آيات ربهم ) . . . قوله ( إلا كانوا عنها معرضين ) لأن الإعراض منهم كان عن كل آية لله ، فاكتفي بالجواب عن قوله ( اتقوا ما بين أيديكم ) وعن قوله ( وما تأتيهم من آية ) بالخبر عن إعراضهم عنها لذلك ، لأن معنى الكلام : وإذا قيل لهم اتقوا [ ص: 527 ] ما بين أيديكم وما خلفكم أعرضوا ، وإذا أتتهم آية أعرضوا .

التالي السابق


الخدمات العلمية