الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر ولاية عتبة بن غزوان البصرة

قيل : في هذه السنة بعث عمر عتبة بن غزوان إلى البصرة ، وكان بها قطبة بن قتادة السدوسي يغير بتلك الناحية ، كما كان يغير المثنى بناحية الحيرة ، فكتب إلى عمر يعلمه مكانه ، وأنه لو كان معه عدد يسير ظفر بمن كان قبله من العجم ، فنفاهم عن بلادهم . فكتب إليه عمر يأمره بالمقام والحذر ، ووجه إليه شريح بن عامر أحد بني سعد بن بكر ، فأقبل إلى البصرة ، وترك بها قطبة ، ومضى إلى الأهواز ، حتى انتهى إلى دارس ، وفيها مسلحة الأعاجم ، فقتلوه ، فبعث عمر عتبة بن غزوان ، [ و ] قال له حين وجهه :

يا عتبة ، إني قد استعملتك على أرض الهند ، وهي حومة من حومة العدو ، وأرجو [ ص: 317 ] أن يكفيك الله ما حولها ، ويعينك عليها ، وقد كتبت إلى العلاء بن الحضرمي أن يمدك بعرفجة بن هرثمة ، وهو ذو مجاهدة ومكايدة للعدو ، فإذا قدم عليك فاستشره ، وادع إلى الله ، فمن أجابك فاقبل منه ، ومن أبى فالجزية وإلا فالسيف ، واتق الله فيما وليت ، وإياك أن تنازعك نفسك إلى كبر مما يفسد عليك إخوتك ، وقد صحبت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فعززت به بعد الذلة ، وقويت به بعد الضعف ، حتى صرت أميرا مسلطا وملكا مطاعا ، تقول فيسمع منك ، وتأمر فيطاع أمرك ، فيا لها نعمة ! إن لم ترفعك فوق قدرك وتبطرك على من دونك ، واحتفظ من النعمة احتفاظك من المعصية ، ولهي أخوفهما عندي عليك أن تستدرجك وتخدعك ، فتسقط سقطة تصير بها إلى جهنم ، أعيذك بالله ونفسي من ذلك . إن الناس أسرعوا إلى الله حين رفعت لهم الدنيا فأرادوها ، فأرد الله ولا ترد الدنيا ، واتق مصارع الظالمين . انطلق أنت ومن معك حتى إذا كنتم في أقصى العرب وأدنى أرض العجم فأقيموا .

فسار عتبة ومن معه ، حتى إذا كانوا بالمربد تقدموا حتى بلغوا حيال الجسر الصغير فنزلوا . فبلغ صاحب الفرات خبرهم ، فأقبل في أربعة آلاف فالتقوا ، فقاتلهم عتبة بعد الزوال ، وكان في خمسمائة ، فقتلهم أجمعين ، ولم يبق إلا صاحب الفرات فأخذه أسيرا ، ثم خطب عتبة أصحابه وقال : إن الدنيا قد تصرمت وولت حذاء ، ولم يبق منها إلا صبابة كصبابة الإناء ، ألا وإنكم منتقلون منها إلى دار القرار ، فانتقلوا بخير ما بحضرتكم ، وقد ذكر لي : لو أن صخرة ألقيت من شفير جهنم لهوت سبعين خريفا ، ولتملأنه ; أوعجبتم ! ولقد ذكر لي أن ما بين مصراعين من مصاريع الجنة مسيرة أربعين خريفا ، وليأتين عليه يوم وهو كظيظ ، [ بزحام ] ، ولقد رأيتني وأنا سابع سبعة مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ما لنا طعام إلا ورق السمر حتى تقرحت أشداقنا ، والتقطت بردة فشققتها بيني وبين سعد ، فما منا [ من ] أولئك السبعة من أحد إلا وهو أمير مصر من الأمصار ، [ ص: 318 ] وسيجربون الناس بعدنا .

وكان نزوله البصرة في ربيع الأول أو الآخر سنة أربع عشرة .

وقيل : إن البصرة مصرت سنة ست عشرة بعد جلولاء وتكريت ، أرسله سعد إليها بأمر عمر . وإن عتبة لما نزل البصرة أقام نحو شهر ، فخرج إليه أهل الأبلة ، وكان بها خمسمائة أسوار يحمونها ، وكانت مرفأ السفن من الصين ، فقاتلهم عتبة فهزمهم حتى دخلوا المدينة ، ورجع عتبة إلى عسكره ، وألقى الله الرعب في قلوب الفرس ، فخرجوا عن المدينة وحملوا ما خف وعبروا الماء ، وأخلوا المدينة ، ودخلها المسلمون ، فأصابوا متاعا وسلاحا وسبيا فاقتسموه ، وأخرج الخمس منه ، وكان المسلمون ثلاثمائة . وكان فتحها في رجب أو في شعبان .

ثم نزل موضع الرزق ، وخط موضع المسجد وبناه بالقصب .

وكان أول مولود بها عبد الرحمن بن أبي بكرة ، فلما ولد ذبح أبوه جزورا ، فكفتهم لقلة الناس .

وجمع لهم أهل دستميسان ، فلقيهم عتبة فهزمهم وأخذ مرزبانها أسيرا ، وأخذ قتادة منطقته ، فبعث بها مع أنس بن حجنة إلى عمر ، فقال له عمر : كيف الناس ؟ فقال : انثالت عليهم الدنيا ، فهم يهيلون الذهب والفضة . فرغب الناس في البصرة فأتوها .

واستعمل عتبة مجاشع بن مسعود على جماعة وسيرهم إلى الفرات ، واستخلف المغيرة بن شعبة على الصلاة إلى أن يقدم مجاشع بن مسعود ، فإذا قدم فهو الأمير ، وسار عتبة إلى عمر . فظفر مجاشع بأهل الفرات وجمع الفليكان ، عظيم من الفرس ، للمسلمين ، فخرج إليه المغيرة بن شعبة فلقيهم بالمرغاب فاقتتلوا . فقال نساء المسلمين : لو لحقنا بهم فكنا معهم ، فاتخذن من خمرهن رايات وسرن إلى المسلمين .

[ ص: 319 ] فلما رأى المشركون الرايات ظنوا أن مددا للمسلمين قد أقبل ، فانهزموا وظفر بهم المسلمون .

وكتب إلى عمر بالفتح ، فقال عمر لعتبة : من استعملت على البصرة ؟ فقال : مجاشع بن مسعود . قال : أتستعمل رجلا من أهل الوبر على أهل المدر ؟ وأخبره بما كان من المغيرة ، وأمره أن يرجع إلى عمله ، فمات في الطريق ، وقيل في موته غير ذلك ، وسيرد ذكره سنة سبع عشرة

وكان من سبي ميسان يسار أبو الحسن البصري ، وأرطبان جد عبد الله بن عون بن أرطبان .

وقيل : إن إمارة عتبة البصرة كانت سنة خمس عشرة ، وقيل : ست عشرة ، والأول أصح ، فكانت إمارته عليها ستة أشهر .

واستعمل عمر على البصرة المغيرة بن شعبة ، فبقي سنتين ثم رمي بما رمي ، واستعمل أبا موسى ، وقيل : استعمل بعد عتبة أبا موسى وبعده المغيرة .

وفيها - أعني سنة أربع عشرة - ضرب عمر ابنه عبيد الله وأصحابه في شراب شربوه ، وأبا محجن .

وفيها أمر عمر بالقيام في شهر رمضان في المساجد بالمدينة ، وجمعهم على أبي بن كعب ، وكتب إلى الأمصار بذلك .

وحج بالناس في هذه السنة عمر بن الخطاب . وكان على مكة عتاب بن أسيد في قول ، وعلى اليمن يعلى بن منية ، وعلى الكوفة سعد ، وعلى الشام أبو عبيدة بن الجراح ، وعلى البحرين عثمان بن أبي العاص ، وقيل العلاء بن الحضرمي ، وعلى عمان حذيفة بن محصن .

[ ص: 320 ] [ الوفيات ]

وفي هذه السنة مات أبو قحافة والد أبي بكر الصديق بعد موت ابنه .

وفيها مات سعد بن عبادة الأنصاري ، وقيل : سنة إحدى عشرة ، وقيل : سنة خمس عشرة

وفيها قتل سليط بن عمرو بن عامر بن لؤي

وفيها ماتت هند بنت عتبة بن ربيعة أم معاوية ، وكان إسلامها يوم الفتح .

التالي السابق


الخدمات العلمية