الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      قال المصنف رحمه الله تعالى ( ووطء المرأة في الدبر ، واللواط كالوطء في الفرج في جميع ما ذكرناه من إفساد الصوم ووجوب القضاء والكفارة ; لأن الجميع وطء ، ولأن الجميع في إيجاب الحد واحد فكذلك في إفساد الصوم وإيجاب الكفارة ، وأما إتيان البهيمة ففيه وجهان من أصحابنا من قال : ينبني ذلك على وجوب الحد ، فإن قلنا : يجب فيه الحد ، أفسد الصوم وأوجب الكفارة كالجماع في الفرج ، وإن قلنا : يجب فيه التعزير لم يفسد الصوم ولم تجب به الكفارة ; لأنه كالوطء فيما دون الفرج في التعزير فكان مثله في إفساد الصوم وإيجاب الكفارة ; ومن أصحابنا من قال : يفسد الصوم وتجب الكفارة قولا واحدا ; لأنه وطء يوجب الغسل فجاز أن يتعلق به إفساد الصوم وإيجاب الكفارة كوطء المرأة ) .

                                      التالي السابق


                                      ( الشرح ) قوله ( ففيه وجهان ) كان ينبغي أن يقول : طريقان فعبر ، بالوجهين عن الطريقين مجازا لاشتراكهما في أن كلا منهما حكاية للمذهب ، وقد سبق بيان مثل هذا المجاز في مقدمة هذا الشرح ، واتفقت نصوص الشافعي والأصحاب على أن وطء المرأة في الدبر واللواط بصبي أو رجل كوطء المرأة في القبل في جميع ما سبق من إفساد الصوم ، ووجوب إمساك بقية النهار ووجوب القضاء والكفارة ، لما ذكره المصنف ، وذكر الرافعي وجها شاذا باطلا في الإتيان في الدبر أنه لا كفارة فيه ، وهذا غلط . وأما إتيان البهيمة في دبرها أو قبلها ففيه طريقان حكاهما المصنف والأصحاب ( أصحهما ) القطع بوجوب الكفارة فيه . وهذا هو المنصوص [ ص: 377 ] في المختصر وغيره وبه قطع البغوي وآخرون ( والثاني ) فيه خلاف مبني على إيجاب الحد به إن أوجبناه وجبت الكفارة ، وإلا فلا ، حكاه الدارمي عن ابن خيران وأبي إسحاق المروزي . قال الماوردي : هذا الطريق غلط ; لأن إيجاب الكفارة ليس مرتبطا بالحد ، ولهذا يجب في وطء الزوجة الكفارة دون الحد وسواء في هذا كله أنزل أم لا ، إلا أنه إذا قلنا في إتيان البهيمة : لا كفارة ، لا يفسد الصوم أيضا كما قاله المصنف ، هذا إن لم ينزل ، فإن أنزل أفسد ، كما لو قبل فأنزل .



                                      ( فرع ) الوطء بزنا أو شبهة أو في نكاح فاسد ووطء أمته وأخته وبنته والكافرة وسائر النساء سواء في إفساد الصوم ووجوب القضاء والكفارة وإمساك بقية النهار ، وهذا لا خلاف فيه .



                                      ( فرع ) إذا أفسد صومه بغير الجماع كالأكل والشرب والاستمناء والمباشرات المفضيات إلى الإنزال فلا كفارة ; لأن النص ورد في الجماع ، وهذه الأشياء ليست في معناه ، هذا هو المذهب والمنصوص وبه قطع الجماهير ، وحكى الرافعي وجها عن أبي خلف الطبري من أصحابنا من تلامذة القفال المروزي أنه تجب الكفارة بكل ما يأثم بالإفطار به . وفي وجه حكاه صاحب الحاوي عن ابن أبي هريرة أنه يجب بالأكل والشرب كفارة فوق كفارة المرضع ودون كفارة المجامع ، وهذان الوجهان غلط ، وحكى الحناطي - بالحاء المهملة والنون - عن محمد بن الحكم أنه روى عن الشافعي وجوب الكفارة على من جامع فيما دون الفرج فأنزل ، وهذا شاذ ضعيف .



                                      ( فرع ) قد ذكرنا أنه إذا استمنى متعمدا بطل صومه ولا كفارة . قال الماوردي : فلو حك ذكره لعارض ولم يقصد الاستمناء فأنزل ، فلا كفارة ، وفي بطلان الصوم وجهان ( قلت ) أصحهما لا يبطل كالمضمضة بلا مبالغة .



                                      فرع في مذاهب العلماء فيمن وطئ امرأة أو رجلا في الدبر ذكرنا أن مذهبنا وجوب القضاء والكفارة ، وبه قال مالك وأبو يوسف ومحمد وأحمد ، وقال أبو حنيفة ، عليه القضاء ، وفي وجوب [ ص: 378 ] الكفارة روايتان عنه أشهرهما عنه لا كفارة ; لأنه لا يحصل به الإحصان والتحليل فأشبه الوطء فيما دون الفرج واحتج أصحابنا بأنه جماع أثم به لسبب الصوم ، فوجبت فيه الكفارة كالقتل ، قال أصحاب أبي حنيفة : ولا كفارة في إتيان البهيمة .



                                      فرع في مذاهبهم في المباشرة فيما دون الفرج وقد ذكرنا أن مذهبنا أنه لا كفارة فيها ، سواء فسد صومه بالإنزال أم لا ، وبه قال أبو حنيفة . وقال داود : كل إنزال تجب به الكفارة حتى الاستمناء إذا كرر النظر فأنزل فلا قضاء ولا كفارة . وقال مالك وأبو ثور : عليه القضاء والكفارة . وحكي هذا عن عطاء والحسن وابن المبارك وإسحاق . وقال أحمد : يجب بالوطء فيما دون الفرج الكفارة وفي القبلة واللمس روايتان . واحتجوا بأنه أفطر بمعصية فأشبه الجماع في الفرج . واحتج أصحابنا بأنه لم يجامع في الفرج فأشبه الردة فإنها تبطل الصوم ولا كفارة ، وما قاله الآخرون ينتقض بالردة .



                                      ( فرع ) قال الغزالي وغيره من أصحابنا : الضابط في وجوب الكفارة بالجماع أنه تجب على من أفسد صوم يوم من رمضان بجماع تام أثم به بسبب الصوم ، وفي هذا الضابط قيود : ( أحدها ) الإفساد ، فمن جامع ناسيا لا يفطر على المذهب كما سبق . وقيل في فطره قولان سبق بيانهما . فإن قلنا : لا يفطر ، فلا كفارة لعدم الإفساد ، وإلا فوجهان حكاهما إمام الحرمين والغزالي وآخرون ( أصحهما ) لا كفارة أيضا لعدم الإثم ( الثاني ) قولنا ( من رمضان ) فلا كفارة بإفساد صوم التطوع والنذر والقضاء والكفارة بالجماع ; لأن الكفارة إنما هي لحرمة رمضان ( الثالث ) قولنا ( بجماع ) احتراز من الأكل والشرب والاستمناء والمباشرة دون الفرج ، فلا كفارة فيها كلها على المذهب ، كما بيناه قريبا ( والرابع ) قولنا ( تام ) احتراز من المرأة إذا جومعت فإنها يحصل فطرها بتغييب بعض الحشفة فلا يحصل الجماع التام إلا وقد أفطرت لدخول داخل فيها فالفطر يحصل بمجرد الدخول ، وأحكام الجماع لا تثبت إلا بتغييب كل الحشفة ، فيصدق عليها أنها أفطرت بالجماع قبل تمامه . [ ص: 379 ] وقولنا ( أثم به ) احتراز ممن جامع بعد الفجر ظانا بقاء الليل ، فإن صومه يفسد ولا كفارة كما سبق . وقولنا ( بسبب الصوم ) احتراز من المسافر إذا شرع في الصوم ثم أفطر بالزنا مترخصا فلا كفارة عليه ; لأنه وإن أفسد صوم يوم من رمضان بجماع تام أثم به ، إلا أنه لم يأثم به بسبب الصوم ; لأن الإفطار جائز له وإنما أثم بالزنا ، ولو زنى المقيم ناسيا للصوم وقلنا : الصوم يفسد بجماع الناسي فلا كفارة أيضا في أصح الوجهين ; لأنه لم يأثم بسبب الصوم ; لأنه ناس له . قال الرافعي : وجماع المرأة إذا قلنا : لا شيء عليها ولا يلاقيها الوجوب ، مستثنى عن الضابط .



                                      ( فرع ) لو صام الصبي رمضان فأفسده بالجماع وقلنا : إن وطأه في الحج يفسده ويوجب البدن ، ففي وجوب كفارة الوطء في الصوم وجهان حكاهما المتولي في كتاب الحج ، وسأوضحهما هناك إن شاء الله تعالى .




                                      الخدمات العلمية