الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 163 ] [ ص: 164 ] [ ص: 165 ] بسم الله الرحمن الرحيم

القول في تأويل قوله تعالى : ( الم ( 1 ) تنزيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين ( 2 ) أم يقولون افتراه بل هو الحق من ربك لتنذر قوما ما أتاهم من نذير من قبلك لعلهم يهتدون ( 3 ) )

قال أبو جعفر : قد مضى البيان عن تأويل قوله : ( الم ) بما فيه الكفاية . وقوله : ( تنزيل الكتاب لا ريب فيه ) يقول - تعالى ذكره - : تنزيل الكتاب الذي نزل على محمد - صلى الله عليه وسلم - ، لا شك فيه ( من رب العالمين ) : يقول : من رب الثقلين : الجن والإنس .

كما حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة قوله : ( الم تنزيل الكتاب لا ريب فيه ) لا شك فيه . وإنما معنى الكلام : أن هذا القرآن الذي أنزل على محمد لا شك فيه أنه من عند الله ، وليس بشعر ولا سجع كاهن ، ولا هو مما تخرصه محمد - صلى الله عليه وسلم - ، وإنما كذب جل ثناؤه بذلك قول الذين : ( قالوا أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلا ) وقول الذين قالوا : ( إن هذا إلا إفك افتراه وأعانه عليه قوم آخرون ) .

وقوله : ( أم يقولون افتراه ) يقول - تعالى ذكره - : يقول المشركون بالله : اختلق هذا الكتاب محمد من قبل نفسه ، وتكذبه ، و ( أم ) هذه تقرير ، وقد بينا في غير موضع من كتابنا ، أن العرب إذا اعترضت بالاستفهام في أضعاف كلام قد تقدم بعضه أنه يستفهم بأم . وقد زعم بعضهم أن معنى ذلك : ويقولون . وقال : أم بمعنى الواو ، بمعنى بل في مثل هذا الموضع ، ثم أكذبهم - تعالى ذكره - فقال : ما هو كما تزعمون وتقولون من أن محمدا افتراه ، بل هو الحق والصدق من عند ربك يا محمد ، أنزله إليك ؛ لتنذر قوما بأس الله وسطوته ، أن يحل بهم على كفرهم به ( ما أتاهم من نذير من قبلك ) يقول : لم يأت هؤلاء القوم الذين أرسلك ربك يا محمد إليهم ، وهم قومه من قريش ، نذير ينذرهم [ ص: 166 ] بأس الله على كفرهم قبلك . وقوله : ( لعلهم يهتدون ) يقول : ليتبينوا سبيل الحق فيعرفوه ويؤمنوا به .

وبمثل الذي قلنا في تأويل ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( لتنذر قوما ما أتاهم من نذير من قبلك لعلهم يهتدون ) قال : كانوا أمة أمية ، لم يأتهم نذير قبل محمد - صلى الله عليه وسلم - .

التالي السابق


الخدمات العلمية