الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            [ ص: 310 ] كتاب التفليس وهو لغة : مصدر فلسه : أي نسبة للإفلاس الذي هو مصدر أفلس : أي صار إلى حالة ليس معه فيها فلس ومن ثم قال في الروضة : هو أي لغة النداء على المفلس ، وشهره بصفة الإفلاس المأخوذ من الفلوس التي هي أخس الأموال ، وشرعا : جعل الحاكم المديون مفلسا بمنعه من التصرف في ماله بشرط الآتي . والأصح فيه ما صح { أنه صلى الله عليه وسلم حجر على معاذ وباع ماله في دين كان عليه وقسمه بين غرمائه فأصابهم خمسة أسباع حقوقهم ، فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم : ليس لكم إلا ذلك ، ثم بعثه إلى اليمن وقال له : لعل الله يجبرك ويؤدي عنك دينك ، فلم يزل باليمن حتى توفي النبي صلى الله عليه وسلم } ( من عليه ديون ) لآدمي لازمة ( حالة زائدة على ماله يحجر عليه ) وجوبا كما هو القاعدة الأكثرية ما جاز بعد منعه كان واجبا وشمل ما إذا كان بسؤال الغرماء وما إذا كان بسؤال المفلس ، وبه صرح في الأنوار وهو المعتمد ، وإن قال بعضهم : بالجواز في الثاني ، وقول السبكي هذا ظاهر إذا تعذر البيع حالا ، وإلا فينبغي عدم وجوبه لأنه ضرر بلا فائدة ممنوع كما أفاده الشيخ ، [ ص: 311 ] بل له فوائد منها المنع من التصرف بإذن المرتهن والمنع من التصرف فيما عساه يحدث باصطياد ونحوه والحجر عليه في ماله إن كان مستقلا وإلا فعلى وليه في مال موليه ( بسؤال الغرماء ) ولو بنوابهم كأوليائهم لأن الحجر لحقهم وفي النهاية أن الحجر كان على معاذ بسؤال الغرماء فلا حجر بدين الله تعالى ولو فوريا كما قاله الإسنوي خلافا لبعض المتأخرين إذ كلامه مفرع على ثبوت المطالبة به من معين .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            [ ص: 310 ] كتاب التفليس

                                                                                                                            ( قوله : أي صار إلى حالة ) هو بهذا المعنى مساو أو مقارب لمعناه عرفا الذي ذكره المحلي ، ولعل هذا هو حكمة عدم تعرض الشارح لما ذكره المحلي ( قوله : لغة النداء على المفلس ) أبدله حج بقوله على المدين الآتي وكتب عليه سم أشار بالآتي إلى المعتبرات الآتية ، وفي اعتبار اللغة لذلك نظر واضح إلا أن يراد أن ذلك من ماصدقاته لغة ا هـ . ولا يرد ذلك على قول الشارح المفلس لأن المفلس لغة المعسر لا بقيد اعتبار الشروط الآتية في موجب الحجر ( قوله : وشهره ) عطف تفسير ، قال سم على منهج : وفائدته بيان أن المراد النداء عليه من جهة الإفلاس لا من جهة أخرى ا هـ ( قوله : التي هي أخس الأموال ) أي بالنسبة لذاتها فإن النحاس بالنسبة للذهب والفضة خسيس وباعتبار عدم الرغبة فيها للمعاملة والادخار ( قوله : مفلسا ) ينبغي ضبطه بفتح الفاء وتشديد اللام لأنه الموافق لقوله قبل مصدر فلسه إذا نسبه إلخ لا بضم الميم وسكون الفاء ( قوله : ليس لكم إلا ذلك ) أي الآن ا هـ سم والقرينة عليه من الحديث قوله : ويؤدي عنك دينك إذ لو كان المراد السقوط مطلقا لم يكن عليه دين يترجى قضاءه بقوله لعل الله إلخ ( قوله : من عليه ديون ) أي ولو كانت منافع ا هـ سم على منهج عن مر ، وصورة ذلك أن يلزم ذمته حمل جماعة إلى مكة مثلا ( قوله : حالة زائدة ) أي وإن قلت الزيادة ( قوله : وشمل ) أي القول بالوجوب فلا يقال سيأتي في المتن ذلك فلا حاجة إلى ذكره ( قوله : وقول السبكي ) عبارة حج : وبحث ابن الرفعة أنه لا حجر على ماله المرهون لأنه لا فائدة له وردوه بأن له فوائد كمنع تصرفه إلخ ا هـ فجعل تلك الفوائد للحجر في مال المرهون لا مطلقا كما ذكره الشارح ، ثم ما ذكره حج يأتي نحوه في قول الشارح الآتي قال ابن الرفعة : وقضية العلة إلخ ( قوله : هذا ظاهر ) أي ما تقدم من كون الحجر واجبا بسؤال الغرماء أو بسؤاله ( قوله : ممنوع ) قد يتوقف في المنع بما ذكر ، فإن مراد .

                                                                                                                            [ ص: 311 ] السبكي أنه حيث أمكن بيعه حالا باعه القاضي ولا يحتاج إلى الحجر ، وحيث تولاه القاضي فلا يمكن المفلس من التصرف فيه ، لكن هذا التوقف لا يأتي بالنسبة لتعدي الحجر إلى ما سيحدث ( قوله : بسؤال الغرماء ) سيأتي أن الأصوب أنه كان بسؤال منه ( قوله : ولو فوريا ) كالزكاة إذا حال الحول وحضر المستحقون ( قوله : من معين ) قضيته أنه لو انحصر المستحقون حجر عليه لحقهم إلا أن يقال إن شأن دين الله أن لا يكون له طالب معين ، ثم رأيت في سم على حج : نعم لو لزمت الزكاة الذمة وانحصر مستحقها فلا يبعد الحجر حينئذ ا هـ . ولعل مراده بانحصار كونهم ثلاثة فأقل على ما يأتي للشارح في أواخر قسم الصدقات ، ويؤخذ من كلام سم المذكور أنه لو كان المنذور له معينا حجر له أيضا .



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            [ ص: 309 - 310 ] كتاب التفليس .

                                                                                                                            ( قوله : ومن ثم ) أي ومن أجل كون التفليس النسبة المذكورة قال في الروضة ما ذكر أي لأن النداء عليه [ ص: 311 ] بما ذكر نسبة له للإفلاس . ( قوله : منها المنع من التصرف بإذن المرتهن ) أي ; لأن الحاكم إذا باع أمواله للغرماء لا يتسلط على العين المرهونة ; لتعلق حق المرتهن بها ، فإذا لم يحجر ربما استأذن المدين المرتهن وباع العين المرهونة وتصرف فيما زاد منها على الدين ففائدة الحجر المنع من ذلك




                                                                                                                            الخدمات العلمية