الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      قال المصنف رحمه الله تعالى ( وإن أفطر بالجماع من غير عذر وجب عليه القضاء لما روى أبو هريرة رضي الله عنه { أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الذي واقع أهله في رمضان بقضائه } ولأنه إذا وجب القضاء على المريض والمسافر وهما معذوران ، فعلى المجامع أولى ، ويجب عليه إمساك بقية النهار ; لأنه أفطر بغير عذر ، وفي الكفارة ثلاثة أقوال ( أحدها ) تجب على الرجل دون المرأة ; لأنه حق مال مختص بالجماع فاختص به الرجل دون المرأة كالمهر ( والثاني ) تجب على كل واحد منهما كفارة ; لأنه عقوبة تتعلق بالجماع فاستوى فيها الرجل والمرأة كحد الزنا ( والثالث ) تجب عليه عنه وعنها كفارة ; لأن الأعرابي سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن فعل مشترك بينهما فأوجب عتق رقبة فدل على أن ذلك عنه وعنها ) .

                                      التالي السابق


                                      ( الشرح ) حديث أبي هريرة رضي الله عنه أصله في الصحيحين لفظهما عن أبي هريرة رضي الله عنه قال { جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : هلكت يا رسول الله ؟ قال : وما أهلكك ؟ قال : وقعت [ ص: 362 ] على امرأتي في رمضان ، فقال : هل تجد ما تعتق به رقبة ؟ قال : لا ، قال : فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين ؟ قال : لا ، قال : فهل تجد ما تطعم به ستين مسكينا ؟ قال : لا ، ثم جلس فأتى النبي صلى الله عليه وسلم بعرق فيه تمر فقال : تصدق بهذا فقال : أعلى أفقر منا ؟ فما بين لابتيها أهل بيت أحوج إليه منا ، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت أنيابه ، ثم قال : اذهب فأطعمه أهلك } وفي رواية البخاري ، " أعلى أفقر مني يا رسول الله " وفي رواية أبي داود قال " فأتى بعرق فيه تمر قدر خمسة عشر صاعا " وفيها قال " كله أنت وأهل بيتك ، وصم يوما واستغفر الله " واسناد رواية أبي داود هذه جيد إلا أن فيه رجلا ضعفه ، وقد روى له مسلم في صحيحه ولم يضعف أبو داود هذه الرواية .

                                      ( وقوله ) لأنه حق مال ، احتراز من الغسل والحد ( وقوله ) يختص بالجماع احتراز من غرامة المتلفات والزكاة وكفارة اليمين والقتل ( وقوله ) لأنه عقوبة ، احتراز من المهر ، ومن لحوق النسب وحرمة المصاهرة في وطء الشبهة فإن الشبهة تعتبر في الرجل دون المرأة على الصحيح ( وقوله ) تتعلق بالجماع ، احتراز من الدية ومن قتل الحربي فإنه يقتل الرجل دون المرأة .

                                      ( أما حكم المسألة ) فإذا أفطر الرجل أو المرأة في نهار رمضان بالجماع بغير عذر لزمه إمساك بقية النهار بلا خلاف ، لما ذكره المصنف ، وفي وجوب قضاء ذلك اليوم طريقان ( أحدهما ) وبه قطع المصنف وأكثر العراقيين وجماعة من الخراسانيين أنه يجب ( والثاني ) ذكره الخراسانيون فيه ثلاثة أقوال ( أصحها ) وجوبه ، لما ذكره المصنف ( والثاني ) لا يجب وتندرج فيه الكفارة ( والثالث ) إن كفر بالصوم لم يجب وإلا وجب . وحكى بعض الخراسانيين هذا الخلاف قولين ووجها وقال البندنيجي من العراقيين : أومأ الشافعي رضي الله عنه في الأم إلى قولين ، سواء كفر بالصوم أم بغيره ، قال إمام الحرمين : ولا خلاف أن المرأة يلزمها القضاء إذا لم نوجب عليها الكفارة ، والله تعالى أعلم .

                                      [ ص: 363 ] وتجب الكفارة بالجماع بلا خلاف ، وهي على الرجل ، فأما الزوجة الموطوءة فإن كانت مفطرة بحيض أو غيره ، أو صائمة ولم يبطل صومها لكونها نائمة ، مثلا فلا كفارة عليها ، وإن كانت صائمة فمكنته طائعة فقولان ( أحدهما ) وهو نصه في الإملاء يلزمها كفارة أخرى في مالها ذكره المصنف ( وأصحهما ) لا يلزمها بل يختص الزوج بها وهو نصه في الأم والقديم . فعلى هذا هل الكفارة التي تلزم الزوج عنه خاصة ؟ أم عنه وعنها ويتحملها هو عنها ؟ فيه قولان مستنبطان من كلام الشافعي وربما قيل : منصوصان وربما قيل : وجهان ومن الأصحاب من يجمع المسألتين كما فعله المصنف وكثيرون ويقول : في الكفارة ثلاثة أقوال ( أصحها ) تجب على الزوج خاصة ( والثاني ) تجب عليه وعنها ( والثالث ) يلزم كل واحد منهما كفارة . والأصح على الجملة وجوب كفارة واحدة عليه خاصة عن نفسه فقط وأنه لا شيء على المرأة ولا يلاقيها الوجوب ، وذكر الدارمي وغيره في المسألة أربعة أقوال هذه الثلاثة ( والرابع ) يجب على الزوج في ماله كفارتان كفارة عنه وكفارة عنها .




                                      الخدمات العلمية