الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون ( 30 ) )

يقول - تعالى ذكره - : فسدد وجهك نحو الوجه الذي وجهك إليه ربك يا محمد لطاعته ، وهي الدين ، ( حنيفا ) يقول : مستقيما لدينه وطاعته ( فطرة الله التي فطر الناس عليها ) يقول : صنعة الله التي خلق الناس عليها ونصبت " فطرة " على المصدر من معنى قوله : ( فأقم وجهك للدين حنيفا ) وذلك أن معنى ذلك : فطر الله الناس على ذلك فطرة .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : ( فطرة الله التي فطر الناس عليها ) قال : الإسلام مذ خلقهم الله من آدم جميعا ، يقرون بذلك ، وقرأ : ( وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا ) قال : فهذا قول الله : ( كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين ) بعد .

حدثني محمد بن عمرو قال : ثنا أبو عاصم قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ( فطرة الله ) قال : الإسلام .

حدثنا ابن حميد قال : ثنا يحيى بن واضح قال : ثنا يونس بن أبي صالح ، [ ص: 98 ] عن يزيد بن أبي مريم قال : مر عمر بمعاذ بن جبل ، فقال : ما قوام هذه الأمة ؟ قال معاذ : ثلاث ، وهن المنجيات : الإخلاص ، وهو الفطرة ( فطرة الله التي فطر الناس عليها ) ، والصلاة : وهي الملة ، والطاعة : وهي العصمة . فقال عمر : صدقت .

حدثني يعقوب قال : ثني ابن علية قال : ثنا أيوب ، عن أبي قلابة أن عمر قال لمعاذ : ما قوام هذه الأمة ؟ ثم ذكر نحوه .

وقوله : ( لا تبديل لخلق الله ) يقول : لا تغيير لدين الله ؛ أي لا يصلح ذلك ، ولا ينبغي أن يفعل .

واختلف أهل التأويل في تأويل ذلك ، فقال بعضهم نحو الذي قلنا في ذلك .

ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو قال : ثنا أبو عاصم قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ( لا تبديل لخلق الله ) قال : لدينه .

حدثني أبو السائب قال : ثنا ابن إدريس ، عن ليث قال : أرسل مجاهد رجلا يقال له : قاسم ، إلى عكرمة يسأله عن قول الله : ( لا تبديل لخلق الله ) إنما هو الدين ، وقرأ : ( لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ) .

حدثنا ابن وكيع قال : ثنا زيد بن حباب ، عن حسين بن واقد ، عن يزيد النحوي ، عن عكرمة ( فطرة الله التي فطر الناس عليها ) قال : الإسلام .

قال : ثني أبي ، عن نضر بن عربي ، عن عكرمة ( لا تبديل لخلق الله ) قال : لدين الله .

قال : ثني أبي ، عن سفيان ، عن ليث ، عن مجاهد قال : لدين الله .

قال : ثنا أبي ، عن عبد الجبار بن الورد ، عن القاسم بن أبي بزة قال : قال مجاهد ، فسل عنها عكرمة ، فسألته ، فقال عكرمة : دين الله تعالى ما له أخزاه الله ؟! ألم يسمع إلى قوله : ( فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ) .

حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( لا تبديل لخلق الله ) : أي لدين الله .

حدثنا ابن وكيع قال : ثنا حفص بن غياث ، عن ليث ، عن عكرمة قال : [ ص: 99 ] لدين الله .

قال : ثنا ابن عيينة ، عن حميد الأعرج قال : قال سعيد بن جبير ( لا تبديل لخلق الله ) قال : لدين الله .

قال : ثنا المحاربي ، عن جويبر ، عن الضحاك ( لا تبديل لخلق الله ) قال : لدين الله .

حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : ( لا تبديل لخلق الله ) قال : دين الله .

حدثنا ابن وكيع قال : ثنا أبي ، عن مسعر وسفيان ، عن قيس بن مسلم ، عن إبراهيم قال : ( لا تبديل لخلق الله ) قال : لدين الله .

قال : ثنا أبي ، عن جعفر الرازي ، عن مغيرة ، عن إبراهيم قال : لدين الله .

وقال آخرون : بل معنى ذلك : لا تغيير لخلق الله من البهائم ، بأن يخصى الفحول منها .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن وكيع قال : ثنا ابن فضيل ، عن مطرف ، عن رجل ، سأل ابن عباس عن خصاء البهائم ، فكرهه ، وقال : ( لا تبديل لخلق الله ) .

قال : ثنا ابن عيينة ، عن حميد الأعرج قال : قال عكرمة : الإخصاء .

قال : ثنا حفص بن غياث ، عن ليث ، عن مجاهد قال : الإخصاء .

وقوله : ( ذلك الدين القيم ) يقول - تعالى ذكره - : إن إقامتك وجهك للدين حنيفا ، غير مغير ولا مبدل - هو الدين القيم ، يعني : المستقيم الذي لا عوج فيه عن الاستقامة من الحنيفية إلى اليهودية والنصرانية ، وغير ذلك من الضلالات والبدع المحدثة .

وقد وجه بعضهم معنى الدين في هذا الموضع إلى الحساب .

ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمارة قال : ثنا عبد الله بن موسى قال : أخبرنا أبو ليلى ، عن بريدة ( ذلك الدين القيم ) قال : الحساب القيم .

( ولكن أكثر الناس لا يعلمون ) يقول - تعالى ذكره - : ولكن أكثر الناس لا يعلمون أن الدين الذي أمرتك يا محمد به بقولي ( فأقم وجهك للدين حنيفا ) هو الدين الحق دون سائر الأديان غيره .

التالي السابق


الخدمات العلمية