الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر وقعة السقاطية بكسكر

ولحق المنهزمون نحو كسكر وبها نرسي ، وهو ابن خالة الملك ، وكان له النرسيان ، وهو نوع من التمر يحميه ، لا يأكله إلا ملك الفرس أو من أكرموه بشيء منه ، ولا يغرسه غيرهم ، واجتمع إلى النرسي الفالة ، وهو في عسكره ، فسار أبو عبيد إليهم من النمارق ، وكان على مجنبتي نرسي بندويه وتيرويه ابنا بسطام خال الملك ، ومعه أهل باروسما والزوابي . ولما بلغ الخبر بوران ورستم بهزيمة جابان بعثا الجالينوس إلى نرسي ، فلحقه قبل الحرب ، فعاجلهم أبو عبيد ، فالتقوا أسفل من كسكر ، بمكان يدعى السقاطية ، فاقتتلوا قتالا شديدا ثم انهزمت فارس وهرب نرسي ، وغلب المسلمون على عسكره وأرضه وجمعوا الغنائم ، فرأى أبو عبيد من الأطعمة شيئا كثيرا ، فنفله من حوله من العرب ، وأخذوا النرسيان فأطعموه الفلاحين ، وبعثوا بخمسه إلى عمر وكتبوا إليه : إن الله أطعمنا مطاعم كانت الأكاسرة تحميها ، وأحببنا أن تروها ؛ لتشكروا إنعام الله وإفضاله . وأقام أبو عبيد .

[ ص: 276 ] وبعث أبو عبيد المثنى إلى باروسما ، وبعث والقا إلى الزوابي ، وعاصما إلى نهر جوبر ، فهزموا من كان تجمع ، وأخرجوا وسبوا أهل زندورد وغيرها ، وبذل لهم فروخ وفراونداد عن أهل باروسما والزوابي وكسكر - الجزاء معجلا ، فأجابوا إلى ذلك وصاروا صلحا ، وجاء فروخ وفراونداد إلى أبي عبيد بأنواع الطعام والأخصبة وغيرها ، فقال : هل أكرمتم الجند بمثلها ؟ فقالوا : لم يتسير ونحن فاعلون . وكانوا يتربصون قدوم الجالينوس . فقال أبو عبيد : لا حاجة لنا فيه ، بئس المرء أبو عبيد إن صحب قوما من بلادهم استأثر عليهم بشيء ، ولا الله لا آكل ما أتيتم به ولا مما أفاء الله إلا مثل ما يأكل أوساطهم . فلما هزم الجالينوس أتوه بالأطعمة أيضا ، فقال : ما آكل هذا دون المسلمين . فقالوا له : ليس من أصحابك أحد إلا وقد أتى بمثل هذا ، فأكل حينئذ .

التالي السابق


الخدمات العلمية