الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      قال المصنف رحمه الله تعالى : ( فإن خافت الحامل والمرضع على أنفسهما أفطرتا وعليهما القضاء دون الكفارة ; لأنهما أفطرتا للخوف على أنفسهما فوجب [ ص: 273 ] عليهما القضاء دون الكفارة كالمريض ، وإن خافتا على ولديهما أفطرتا وعليهما القضاء بدلا عن الصوم ، وفي الكفارة ثلاثة أوجه .

                                      ( قال ) في الأم : يجب عن كل يوم مد من الطعام وهو الصحيح ; لقوله تعالى { وعلى الذين يطيقونه فدية } قال ابن عباس : نسخت هذه الآية وبقيت الرخصة للشيخ الكبير والعجوز والحامل والمرضع إن خافتا على ولديهما أفطرتا وأطعمتا كل يوم مسكينا .

                                      ( والثاني ) أن الكفارة مستحبة غير واجبة ، وهو قول المزني ; لأنه إفطار بعذر ، فلم تجب فيه الكفارة كإفطار المريض .

                                      ( والثالث ) يجب على المرضع دون الحامل ; لأن الحامل أفطرت لمعنى فيها فهي كالمريض ، والمرضع أفطرت لمنفصل عنها فوجب عليها الكفارة ، والله أعلم ) .

                                      التالي السابق


                                      ( الشرح ) هذا المنقول عن ابن عباس رضي الله عنهما رواه أبو داود بإسناد حسن عنه ، قال أصحابنا : الحامل والمرضع إن خافتا من الصوم على أنفسهما أفطرتا وقضتا ، ولا فدية عليهما كالمريض ، وهذا كله لا خلاف فيه ، وإن خافتا على أنفسهما وولديهما فكذلك بلا خلاف صرح به الدارمي والسرخسي وغيرهما ، وإن خافتا على ولديهما لا على أنفسهما أفطرتا وقضتا بلا خلاف ، وفي الفدية هذه الأقوال التي ذكرها المصنف ( أصحها ) باتفاق الأصحاب وجوبها كما صححه المصنف ، وهو المنصوص في الأم والمختصر وغيرهما . قال صاحب الحاوي : وهو نصه في القديم والجديد ، ونقله الربيع والمزني ، قال هو وغيره : ونص في البويطي على وجوب الفدية على المرضع دون الحامل فحصل في الحمل قولان ونقل أبو علي الطبري في الإفصاح أن الشافعي نص في موضع آخر على أن الفدية ليست بواجبة على واحدة منهما ، بل هي مستحبة ، وجعل الماوردي والسرخسي وآخرون هذا الثالث مخرجا من نص البويطي في الحامل . قال الماوردي ومنهم من أنكر هذا الثالث ، وكذا قاله غيره ، واقتصر البغوي والجرجاني وخلق من الأصحاب على قولين في الحامل [ ص: 274 ] وقطعوا بالوجوب على المرضع . والله أعلم . فإذا أوجبنا الفدية فهل تتعدد بتعدد الأولاد ؟ فيه طريقان ( أصحهما ) وبه قطع البغوي : لا .

                                      ( والثاني ) فيه وجهان حكاه الرافعي .



                                      ( فرع ) إذا أوجبنا الفدية على المرضع إذا أفطرت للخوف على ولدها ، فلو استؤجرت لإرضاع ولد غيرها ( فالصحيح ) بل الصواب الذي قطع به القاضي حسين في فتاويه ، وصاحب التتمة وغيرهما أنه لا يجوز لها الإفطار وتفدي ، كما في ولدها بل قال القاضي حسين : يجب عليها الإفطار إن تضرر الرضيع بالصوم واستدل صاحب التتمة بالقياس على السفر ، فإنه يستوي في جواز الإفطار به من سافر لغرض نفسه وغرض غيره بأجرة وغيرها ، وشذ الغزالي في فتاويه فقال : ليس لها أن تفطر ولا خيار لأهل الصبي وهذا غلط ظاهر . قال القاضي حسين : وعلى من تجب فدية فطرها في هذا الحال ؟ فيه احتمالان : هل هي عليها أم على المستأجر ؟ كما لو استؤجر للتمتع فهل يجب دمه على الأجير أو المستأجر ؟ فيه وجهان ، كذا قال القاضي ، ولعل الأصح وجوبها على المرضع بخلاف دم التمتع فإن الأصح وجوبه على المستأجر ; لأنه من تتمة الحج الواجب على المستأجر وهنا الفطر من تتمة إيصال المنافع الواجبة على المرضع . قال القاضي : ولو كان هناك نسوة مراضع فأرادت واحدة أن تأخذ صبيا ترضعه تقربا إلى الله تعالى ، جاز لها الفطر للخوف عليه ، وإن لم يكن متعينا عليها .



                                      ( فرع ) لو كانت المرضع أو الحامل مسافرة أو مريضة فأفطرت بنية الترخص بالمرض أو السفر فلا فدية عليها بلا خلاف ، وإن لم تقصد الترخص وأفطرت للخوف على الولد لا على نفسها ، ففي وجوب الفدية وجهان كالوجهين في فطر المسافر بالجماع لا بنية الترخص كذا ذكره البغوي وغيره ، والأصح في جماع المسافر المذكور لا كفارة ، كما سنوضحه في موضعه ، إن شاء الله تعالى .



                                      فرع في مذاهب العلماء في الحامل والمرضع إذا خافتا فأفطرتا . قد ذكرنا أن مذهبنا أنهما إن خافتا على أنفسهما لا غير ، أو على أنفسهما وولدهما أفطرتا وقضتا ، ولا فدية عليهما بلا خلاف ، [ ص: 275 ] وإن أفطرتا للخوف على الولد أفطرتا وقضتا والصحيح وجوب الفدية ، قال ابن المنذر : وللعلماء في ذلك أربعة مذاهب ، قال ابن عمر وابن عباس وسعيد بن جبير : يفطران ويطعمان ، ولا قضاء عليهما ، وقال عطاء بن أبي رباح والحسن والضحاك والنخعي والزهري وربيعة والأوزاعي وأبو حنيفة والثوري وأبو عبيد وأبو ثور وأصحاب الرأي : يفطران ويقضيان ، ولا فدية كالمريض ، وقال الشافعي وأحمد : يفطران ويقضيان ويفديان وروي ذلك عن مجاهد ، وقال مالك : الحامل تفطر وتقضي ولا فدية والمرضع تفطر وتقضي وتفدي وقال ابن المنذر : وبقول عطاء أقول .




                                      الخدمات العلمية