الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                باب تفضيل الحلق على التقصير وجواز التقصير

                                                                                                                1301 وحدثنا يحيى بن يحيى ومحمد بن رمح قالا أخبرنا الليث ح وحدثنا قتيبة حدثنا ليث عن نافع أن عبد الله قال حلق رسول الله صلى الله عليه وسلم وحلق طائفة من أصحابه وقصر بعضهم قال عبد الله إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال رحم الله المحلقين مرة أو مرتين ثم قال والمقصرين

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                باب تفضيل الحلق على التقصير وجواز التقصير

                                                                                                                قوله : ( حلق رسول الله صلى الله عليه وسلم وحلق طائفة من أصحابه وقصر بعضهم ) وذكر الأحاديث في دعائه صلى الله عليه وسلم للمحلقين ثلاث مرات ، وللمقصرين مرة بعد ذلك ، هذا كله تصريح بجواز الاقتصار على أحد الأمرين إن شاء اقتصر على الحلق ، وإن شاء على التقصير ، وتصريح بتفضيل الحلق ، وقد أجمع العلماء على أن الحلق أفضل من التقصير ، وعلى أن التقصير يجزي إلا ما حكاه ابن المنذر عن الحسن البصري أنه كان يقول : يلزمه الحلق في أول حجة ، ولا يجزئه التقصير ، وهذا إن صح عنه مردود بالنصوص وإجماع من قبله ، ومذهبنا المشهور أن الحلق أو التقصير نسك من مناسك الحج والعمرة ، وركن من أركانهما لا يحصل واحد منهما إلا به ، وبهذا قال العلماء كافة ، وللشافعي قول شاذ ضعيف أنه استباحة محظور كالطيب واللباس ، وليس بنسك ، والصواب الأول ، وأقل ما يجزي من الحلق والتقصير عند الشافعي ثلاث شعرات ، وعند أبي حنيفة ربع الرأس ، وعند أبي يوسف نصف الرأس ، وعند مالك وأحمد أكثر الرأس ، وعن مالك رواية أنه كل الرأس ، وأجمعوا أن الأفضل حلق جميعه أو تقصير جميعه ، ويستحب أن لا ينقص في التقصير عن قدر الأنملة من أطراف الشعر ، فإن قصر دونها جاز لحصول اسم التقصير ، والمشروع في حق النساء التقصير ، ويكره لهن الحلق ، فلو حلقن حصل النسك ، ويقوم مقام الحلق والتقصير النتف والإحراق والقص وغير ذلك من أنواع إزالة الشعر .

                                                                                                                واعلم أن قوله : ( حلق رسول الله صلى الله عليه وسلم وطائفة من أصحابه وقصر بعضهم ودعاؤه صلى الله عليه وسلم للمحلقين ثلاثا ثم للمقصرين مرة ) كل هذا كان في حجة الوداع هذا هو الصحيح المشهور ، وحكى القاضي عياض عن بعضهم أن هذا كان يوم الحديبية حين أمرهم بالحلق فما فعله أحد لطمعهم بدخول مكة في ذلك الوقت .

                                                                                                                [ ص: 424 ] وذكر عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال : حلق رجال يوم الحديبية وقصر آخرون ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اللهم ارحم المحلقين ( ثلاثا ) قيل : يا رسول الله ما بال المحلقين ظاهرت لهم بالترحم ؟ قال : لأنهم لم يشكوا ، قال ابن عبد البر : وكونه في الحديبية هو المحفوظ ، قال القاضي : قد ذكر مسلم في الباب خلاف ما قالوه ، وإن كانت أحاديثه جاءت مجملة غير مفسرة موطن ذلكلأنه ؛ لأنه ذكر من روايةابن أبي شيبة ووكيع في حديث يحيى بن الحصين عن جدته أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم دعا في حجة الوداع للمحلقين ( ثلاثا ) وللمقصرين ( مرة واحدة ) إلا أن وكيعا لم يذكر حجة الوداع ، وقد ذكر مسلم قبل هذا في رمي جمرة العقبة يوم النحر حديث يحيى بن الحصين عن جدته هذه أم الحصين ، قالت : حججت مع النبي صلى الله عليه وسلم حجة الوداع . وقد جاء الأمر في حديثها مفسرا أنه في حجة الوداع ، فلا يبعد أن النبي صلى الله عليه وسلم قاله في الموضعين ، ووجه فضيلة الحلق على التقصير أنه أبلغ في العبادة ، وأدل على صدق النية في التذلل لله تعالى ، ولأن المقصر مبق على نفسه الشعر الذي هو زينة ، والحاج مأمور بترك الزينة ، بل هو أشعث أغبر . والله أعلم . واتفق [ ص: 425 ] العلماء على أن الأفضل في الحلق والتقصير أن يكون بعد رمي جمرة العقبة وبعد ذبح الهدي إن كان معه ، وقبل طواف الإفاضة ، وسواء كان قارنا أو مفردا ، وقال ابن الجهم المالكي : لا يحلق القارن حتى يطوف ويسعى ، وهذا باطل مردود بالنصوص وإجماع من قبله ، وقد ثبتت الأحاديث بأن النبي صلى الله عليه وسلم حلق قبل طواف الإفاضة ، وقد قدمنا أنه صلى الله عليه وسلم كان قارنا في آخر أمره ، ولو لبد المحرم رأسه فالصحيح المشهور من مذهبنا أنه يستحب له حلقه في وقت الحلق ولا يلزمه ذلك ، وقال جمهور العلماء : يلزمه حلقه .

                                                                                                                ( فصل ) قدمنا في الفصول السابقة في مقدمة هذا الشرح أن إبراهيم بن سفيان صاحب مسلم فاته من سماع هذا الكتاب من مسلم ثلاثة مواضع : أولها في كتاب الحج ، وهذا موضعه وقد سبق التنبيه على أوله وآخره هناك ، وأن إبراهيم يقول : من هنا عن مسلم ، ولا يقول : أخبرنا كما يقول في باقي الكتاب ، وأول هذا القول الجلودي : حدثنا إبراهيم عن مسلم حدثنا ابن نمير حدثنا أبي حدثنا عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : رحم الله المحلقين قالوا : والمقصرين يا رسول الله إلى آخره .




                                                                                                                الخدمات العلمية