الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ زلف ]

                                                          زلف : الزلف والزلفة والزلفى : القربة والدرجة والمنزلة . وفي التنزيل العزيز : وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى ؛ قال : هي اسم كأنه قال : بالتي تقربكم عندنا ازدلافا ؛ وقول العجاج :


                                                          ناج طواه الأين مما وجفا طي الليالي زلفا فزلفا     سماوة الهلال حتى احقوقفا

                                                          يقول : منزلة بعد منزلة ودرجة بعد درجة . وزلف إليه ازدلف وتزلف : دنا منه ؛ قال أبو زبيد :


                                                          حتى إذا اعصوصبوا ، دون الركاب معا     دنا تزلف ذي هدمين مقرور



                                                          وأزلف الشيء قربه وفي التنزيل العزيز : وأزلفت الجنة للمتقين ؛ أي قربت ، قال الزجاج : وتأويله أي قرب دخولهم فيها ونظرهم إليها . وازدلفه : أدناه إلى هلكة . ومزدلفة والمزدلفة : موضع بمكة ، قيل : سميت بذلك لاقتراب الناس إلى منى بعد الإفاضة من عرفات . قال ابن سيده : لا أدري كيف هذا . وأزلفه الشيء صار جميعه ؛ حكاه الزجاج عن أبي عبيدة ، قال أبو عبيدة : ومزدلفة من ذلك . وقوله - عز وجل - : وأزلفنا ثم الآخرين ؛ معنى أزلفنا جمعنا ، وقيل : قربنا الآخرين من الغرق وهم أصحاب فرعون ، وكلاهما حسن جميل لأن جمعهم تقريب بعضهم من بعض ، ومن ذلك سميت مزدلفة جمعا . وأصل الزلفى في كلام العرب القربى . وقال أبو إسحاق : في قوله - عز وجل - : فلما رأوه زلفة سيئت وجوه الذين كفروا ؛ أي رأوا العذاب قريبا . وفي الحديث : إذا أسلم العبد فحسن إسلامه يكفر الله عنه كل سيئة أزلفها أي أسلفها وقدمها ، والأصل فيه القرب والتقدم . والزلفة : الطائفة من أول الليل والجمع زلف وزلفات . ابن سيده : وزلف الليل ساعات من أوله ، وقيل : هي ساعات الليل الآخذة من النهار وساعات النهار الآخذة من الليل ، واحدتها زلفة ، فأما قراءة ابن محيصن : ( وزلفا من الليل ) ؛ بضم الزاي واللام ، ( وزلفا من الليل ) ؛ بسكون اللام ، فإن الأولى جمع زلفة كبسرة وبسر ، وأما زلفا فجمع زلفة جمعها جمع الأجناس المخلوقة وإن لم تكن جوهرا كما جمعوا الجواهر المخلوقة نحو درة ودر . وفي حديث ابن مسعود ذكر زلف الليل ، وهي ساعاته ، وقيل : هي الطائفة من الليل ، قليلة كانت أو كثيرة . وفي التنزيل العزيز : وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل ؛ فطرفا النهار غدوة وعشية ، وصلاة طرفي النهار : الصبح : في أحد الطرفين والأولى والعصر في الطرف الأخير ؛ وزلفا من الليل ؛ قال الزجاج : هو منصوب على الظرف كما تقول جئت طرفي النهار وأول الليل ، ومعنى زلفا من الليل الصلاة القريبة من أول الليل ، أراد بالزلف المغرب والعشاء الأخيرة ؛ ومن قرأ زلفا فهو جمع زليف مثل القرب والقريب . وفي حديث الضحية : أتي ببدنات خمس أو ست فطفقن يزدلفن إليه بأيتهن يبدأ أي يقربن منه ، وهو يفتعلن من القرب فأبدل التاء دالا لأجل الزاي . ومنه الحديث : أنه كتب إلى مصعب بن عمير وهو بالمدينة انظر من اليوم الذي تتجهز فيه اليهود لسبتها ، فإذا زالت الشمس فازدلف إلى الله بركعتين واخطب فيهما أي تقرب . وفي حديث أبي بكر والنسابة : فمنكم المزدلف الحر صاحب العمامة الفردة ؛ إنما سمي المزدلف لاقترابه إلى الأقران وإقدامه عليهم ، وقيل : لأنه قال في حرب كليب : ازدلفوا قوسي أو قدرها أي تقدموا في الحرب بقدر قوسي . وفي حديث الباقر : ما لك من عيشك إلا لذة تزدلف بك إلى حمامك أي تقربك إلى موتك ؛ ومنه سمي المشعر الحرام مزدلفة لأنه يتقرب فيها . والزلف والزليف والتزلف : التقدم من موضع إلى موضع . والمزدلف : رجل من فرسان العرب ، سمي بذلك لأنه ألقى رمحه بين يديه في حرب كانت بينه وبين قوم ثم قال : ازدلفوا إلى رمحي . زلفنا له أي تقدمنا . وزلف الشيء وزلفه : قدمه ؛ عن ابن الأعرابي . وتزلفوا وازدلفوا أي تقدموا . والزلفة : الصحفة الممتلئة ، بالتحريك ، والزلفة : الإجانة الخضراء ، والزلفة : المرآة ؛ وقال ابن الأعرابي : الزلفة وجه المرآة . يقال : البركة تطفح مثل الزلفة ، والجمع من كل ذلك زلف ، والزلفة المصنعة ، والجمع زلف ؛ قال لبيد :


                                                          حتى تحيرت الدبار كأنها     زلف ، وألقي قتبها المحزوم



                                                          وأورد ابن بري هذا البيت شاهدا على الزلف جمع زلفة وهي المحارة . قال : وقال أبو عمرو : الزلف في هذا البيت مصانع الماء ؛ وأنشد الجوهري للعماني :


                                                          حتى إذا ماء الصهاريج نشف     من بعد ما كانت ملاء كالزلف



                                                          قال : وهي المصانع ، وقال أبو عبيدة : هي الأجاجين الخضر ، قال : وهي المزالف أيضا . وفي حديث يأجوج ومأجوج : ثم يرسل الله مطرا فيغسل الأرض حتى يتركها كالزلفة ، وهي مصنعة الماء ؛ أراد أن المطر يغدر في الأرض فتصير كأنها مصنعة من مصانع الماء ، وقيل : الزلفة المرآة شبهها بها لاستوائها ونظافتها ، وقيل : الزلفة الروضة ، ويقال : بالقاف أيضا وكل ممتلئ من الماء زلفة ، وأصبحت الأرض زلفة واحدة على التشبيه كما قالوا أصبحت قروا واحدا . وقال أبو حنيفة : الزلف الغدير الملآن ؛ قال الشاعر :


                                                          جثجاثها وخزاماها وثامرها [ ص: 50 ]     هبائب تضرب النغبان والزلفا

                                                          وقال شمر في قوله : طي الليالي زلفا فزلفا ، أي قليلا قليلا ؛ يقول : طوى هذا البعير الإعياء كما يطوي الليل سماوة الهلال أي شخصه قليلا قليلا حتى دق واستقوس . وحكى ابن بري عن أبي عمر الزاهد قال : الزلفة ثلاثة أشياء : البركة والروضة والمرآة ، قال : وزاد ابن خالويه رابعا أصبحت الأرض زلفة ودثة من كثرة الأمطار . والمزالف والمزلفة : البلد ، وقيل : القرى التي بين البر والبحر كالأنبار والقادسية ونحوهما . وزلف في حديثه : زاد كزرف ، يقال : فلان يزلف في حديثه ويزرف أي يزيد . وفي الصحاح : المزالف البراغيل وهي البلاد التي بين الريف والبر ، الواحدة مزلفة . وفي حديث عمر ، رضي الله عنه : أن رجلا قال له : إني حججت من رأس هر أو خارك أو بعض هذه المزالف ؛ رأس هر وخارك : موضعان من ساحل فارس يرابط فيهما ؛ والمزالف : قرى بين البر والريف . وبنو زليفة : بطن ؛ قال أبو جندب الهذلي :


                                                          من مبلغ مآلكي حبشيا ؟     أجابني زليفة الصبحيا



                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية