الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        باب من الدين الفرار من الفتن

                                                                                                                                                                                                        19 حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة عن أبيه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوشك أن يكون خير مال المسلم غنم يتبع بها شعف الجبال ومواقع القطر يفر بدينه من الفتن

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        قوله : ( باب من الدين الفرار من الفتن ) عدل المصنف عن الترجمة بالإيمان - مع كونه ترجم لأبواب [ ص: 88 ] الإيمان - مراعاة للفظ الحديث ، ولما كان الإيمان والإسلام مترادفين في عرف الشرع وقال الله تعالى إن الدين عند الله الإسلام صح إطلاق الدين في موضع الإيمان .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( حدثنا عبد الله بن مسلمة ) هو القعنبي أحد رواة الموطأ ، نسب إلى جده قعنب ، وهو بصري أقام بالمدينة مدة .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( عن أبيه ) هو عبد الله بن عبد الرحمن بن الحارث بن أبي صعصعة ، فسقط الحارث من الرواية ، واسم أبي صعصعة عمرو بن زيد بن عوف الأنصاري ثم المازني ، هلك في الجاهلية ، وشهد ابنه الحارث أحدا ، واستشهد باليمامة .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( عن أبي سعيد ) اسمه سعد على الصحيح - وقيل سنان - ابن مالك بن سنان ، استشهد أبوه بأحد ، وكان هو من المكثرين . وهذا الإسناد كله مدنيون ، وهو من أفراد البخاري عن مسلم . نعم أخرج مسلم في الجهاد - وهو عند المصنف أيضا من وجه آخر - عن أبي سعيد حديث الأعرابي الذي سأل : أي الناس خير ؟ قال : مؤمن مجاهد في سبيل الله بنفسه وماله . قال : ثم من ؟ قال : مؤمن في شعب من الشعاب يتقي الله ويدع الناس من شره . وليس فيه ذكر الفتن . وهي زيادة من حافظ فيقيد بها المطلق . ولها شاهد من حديث أبي هريرة عند الحاكم ، ومن حديث أم مالك البهزية عند الترمذي ، ويؤيده ما ورد من النهي عن سكنى البوادي والسياحة والعزلة ، وسيأتي مزيد لذلك في كتاب الفتن .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( يوشك ) بكسر الشين المعجمة أي : يقرب .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( خير ) بالنصب على الخبر ، وغنم الاسم ، وللأصيلي برفع خير ونصب غنما على الخبرية ، ويجوز رفعهما على الابتداء والخبر يقدر في يكون ضمير الشأن قاله ابن مالك ، لكن لم تجئ به الرواية .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( يتبع ) بتشديد التاء ويجوز إسكانها ، " وشعف " بفتح المعجمة والعين المهملة جمع شعفة كأكم وأكمة وهي رءوس الجبال .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( ومواقع القطر ) بالنصب عطفا على شعف ، أي : بطون الأودية ، وخصهما بالذكر لأنهما مظان المرعى .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( يفر بدينه ) أي : بسبب دينه . و " من " ابتدائية ، قال الشيخ النووي : في الاستدلال بهذا الحديث للترجمة نظر ; لأنه لا يلزم من لفظ الحديث عد الفرار دينا ، وإنما هو صيانة للدين . قال : فلعله لما رآه صيانة للدين أطلق عليه اسم الدين . وقال غيره : إن أريد بمن كونها جنسية أو تبعيضية فالنظر متجه ، وإن أريد كونها ابتدائية أي : الفرار من الفتنة منشؤه الدين فلا يتجه النظر . وهذا الحديث قد ساقه المصنف أيضا في كتاب الفتن ، وهو أليق المواضع به ، والكلام عليه يستوفى هناك إن شاء الله تعالى .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية