الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 227 ] وقالوا يا أيها الساحر ادع لنا ربك بما عهد عندك إننا لمهتدون

عطف على " وأخذناهم بالعذاب " . والمعنى : ولما أخذناهم بالعذاب على يد موسى سألوه أن يدعو الله بكشف العذاب عنهم .

ومخاطبتهم موسى بوصف الساحر مخاطبة تعظيم تزلفا إليه لأن الساحر عندهم كان هو العالم وكانت علوم علمائهم سحرية ، أي ذات أسباب خفية لا يعرفها غيرهم وغير أتباعهم ، ألا ترى إلى قول ملأ فرعون له وابعث في المدائن حاشرين يأتوك بكل سحار عليم .

وكان الساحر بأيدي الكهنة ومن مظاهره تحنيط الموتى الذي بقي به جثث الأموات سالمة من البلى ولم يطلع أحد بعدهم على كيفية صنعه .

وفي آية الأعراف قالوا يا موسى ادع لنا ربك ، ولا تنافي ما هنا لأن الخطاب خطاب إلحاح فهو يتكرر ويعاد بطرق مختلفة .

وقرأ الجمهور " يا أيه الساحر " بدون ألف بعد الهاء في الوصل وهو ظاهر ، وفي الوقف أي بفتحة دون ألف وهو غير قياسي لكن القراءة رواية . وعلله أبو شامة بأنهم اتبعوا الرسم وفيه نظر . وقرأه أبو عمرو والكسائي ويعقوب بإثبات الألف في الوقف . وقرأه ابن عامر بضم الهاء في الوصل خاصة وهو لغة بني أسد ، وكتبت في المصحف كلمة ( أيه ) بدون ألف بعد الهاء ، والأصل أن تكون بألف بعد الهاء لأنها ( ها ) حرف تنبيه يفصل بين ( أي ) وبين نعتها في النداء فحذفت الألف في رسم المصحف رعيا لقراءة الجمهور والأصل أن يراعى في الرسم حالة الوقف .

وعنوا " بربك " الرب الذي دعاهم موسى إلى عبادته . والقبط كانوا يحسبون أن لكل أمة ربا ، ولا يحيلون تعدد الآلهة ، وكانت لهم أرباب كثيرون مختلفة أعمالهم وقدرهم . ومثل ذلك كانت عقائد اليونان .

وأرادوا بما عهد عندك ما خصك بعلمه دون غيرك مما استطعت به أن تأتي بخوارق العادة .

[ ص: 228 ] وكانوا يحسبون أن تلك الآيات معلولة لعلل خفية قياسا على معارفهم بخصائص بعض الأشياء التي لا تعرفها العامة ، وكان الكهنة يعهدون بها إلى تلامذتهم ويوصونهم بالكتمان .

والعهد : هو الائتمان على أمر مهم ، وليس مرادهم به النبوءة لأنهم لم يؤمنوا به وإذ لم يعرفوا كنه العهد عبروا عنه بالموصول وصلته . والباء في قوله بما عهد عندك متعلقة بـ " ادع " وهي للاستعانة . ولما رأوا الآيات علموا أن رب موسى قادر ، وأن بينه وبين موسى عهدا يقتضي استجابة سؤله .

وجملة " إننا لمهتدون " جواب لكلام مقدر دل عليه " ادع لنا ربك " أي دعوت لنا وكشفت عنا العذاب لنؤمنن لك كما في آية الأعراف لئن كشفت عنا الرجز لنؤمنن لك الآية .

فـ " مهتدون " اسم فاعل مستعمل في معنى الوعد وهو منصرف للمستقبل بالقرينة كما دل قوله " ينكثون " ونظيره قوله في سورة الدخان حكاية عن المشركين ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون أنى لهم الذكرى الآية . وسموا تصديقهم إياه اهتداء لأن موسى سمى ما دعاهم إليه هديا كما في آية النازعات " وأهديك إلى ربك فتخشى " .

التالي السابق


الخدمات العلمية