الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر ردة بني عامر وهوازن وسليم

وكانت بنو عامر تقدم إلى الردة رجلا وتؤخر أخرى ، وتنظر ما تصنع أسد وغطفان ، فلما أحيط بهم وبنو عامر على قادتهم وسادتهم - كان قرة بن هبيرة في كعب ومن لافها ، وعلقمة بن علاثة في كلاب ومن لافها ، وكان أسلم ثم ارتد في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولحق بالشام بعد فتح الطائف ، فلما توفي النبي - صلى الله عليه وسلم - أقبل مسرعا حتى عسكر في بني كعب . فبلغ ذلك أبا بكر ، فبعث إليه سرية عليها القعقاع بن عمرو ، وقيل : بل قعقاع بن سور ، وقال له ليغير على علقمة لعله يقتله أو يستأسره . فخرج حتى أغار على الماء الذي عليه علقمة ، وكان لا يبرح إلا مستعدا ، فسابقهم على فرسه فسبقهم ، وأسلم أهله وولده ، وأخذهم القعقاع وقدم بهم على أبي بكر ، فجحدوا أن يكونوا على حال علقمة ، ولم يبلغ أبا بكر عنهم أنهم فارقوا دارهم ، وقالوا له : ما ذنبنا فيما صنع علقمة ؟ فأرسلهم . ثم أسلم ، فقبل ذلك منه .

وأقبلت بنو عامر بعد هزيمة أهل بزاخة يقولون : ندخل فيما خرجنا منه ، ونؤمن بالله ورسوله ، وأتوا خالدا فبايعهم على ما بايع أهل بزاخة ، وأعطوه بأيديهم على الإسلام ، وكانت بيعته : عليكم عهد الله وميثاقه لتؤمنن بالله ورسوله ، ولتقيمن الصلاة ، ولتؤتن الزكاة ، وتبايعون على ذلك أبناءكم ونساءكم . فيقولون : نعم

ولم يقبل من أحد من أسد ، وغطفان ، وطيئ ، وسليم ، وعامر - إلا أن يأتوه بالذين حرقوا ومثلوا وعدوا على [ ص: 207 ] الإسلام في حال ردتهم ، فأتوه بهم ، فمثل بهم وحرقهم ورضخهم بالحجارة ، ورمى بهم من الجبال ، ونكسهم في الآبار ، وأرسل إلى أبي بكر يعلمه ما فعل ، وأرسل إليه قرة بن هبيرة ونفرا معه موثقين ، وزهيرا أيضا .

وأما أم زمل فاجتمع فلال غطفان وطيئ وسليم وهوازن وغيرها إلى أم زمل سلمى بنت مالك بن حذيفة بن بدر ، وكانت أمها أم قرفة بنت ربيعة بن بدر ، وكانت أم زمل قد سبيت أيام أمها أم قرفة ، وقد تقدمت الغزوة ، فوقعت لعائشة ، فأعتقتها ورجعت إلى قومها وارتدت ، واجتمع إليها الفل ، فأمرتهم بالقتال ، وكثف جمعها وعظمت شوكتها . فلما بلغ خالدا أمرها سار إليها ، فاقتتلوا قتالا شديدا أول يوم وهي واقفة على جمل كان لأمها ، وهي في مثل عزها ، فاجتمع على الجمل فوارس فعقروه وقتلوها ، وقتل حول جملها مائة رجل ، وبعث بالفتح إلى أبي بكر .

وأما خبر الفجاءة السلمي ، واسمه إياس بن عبد ياليل ، فإنه جاء إلى أبي بكر فقال له : أعني بالسلاح ، أقاتل به أهل الردة . فأعطاه سلاحا وأمره إمرة ، فخالف إلى المسلمين ، وخرج حتى نزل بالجواء ، وبعث نخبة بن أبي الميثاء من بني الشريد وأمره بالمسلمين ، فشن الغارة على كل مسلم في سليم ، وعامر ، وهوازن ، فبلغ ذلك أبا بكر ، فأرسل إلى طريفة بن حاجز ، ، فأمره أن يجمع له ويسير إليه ، وبعث إليه عبد الله بن قيس الحاسي عونا ، فنهضا إليه وطلباه ، فلاذ منهما ، ثم لقياه على الجواء فاقتتلوا ، وقتل نخبة وهرب الفجاءة ، فلحقه طريفة فأسره ، ثم بعث به إلى أبي بكر ، فلما قدم أمر أبو بكر أن توقد له نار في مصلى المدينة ، ثم رمي به فيه مقموطا .

وأما خبر أبي شجرة بن عبد العزى السلمي ، وهو ابن الخنساء ، فإنه كان قد ارتد فيمن ارتد من سليم ، وثبت بعضهم على الإسلام مع معن بن حاجز ، وكان أميرا لأبي بكر . فلما سار خالد إلى طليحة كتب إلى معن أن يلحقه فيمن معه على الإسلام من بني سليم ، فسار واستخلف على عمله أخاه طريفة بن حاجز . فقال أبو شجرة حين ارتد :


صحا القلب عن مي هواه وأقصرا وطاوع فيها العاذلين فأبصرا [ ص: 208 ]     ألا أيها المدلي بكثرة قومه
وحظك منهم أن تضام وتقهرا     سل الناس عنا كل يوم كريهة
إذا ما التقينا دارعين وحسرا     ألسنا نعاطي ذا الطماح لجامه
ونطعن في الهيجا إذا الموت أقفرا     فرويت رمحي من كتيبة خالد
وإني لأرجو بعدها أن أعمرا



ثم إن أبا شجرة أسلم ، فلما كان زمن عمر قدم المدينة فرأى عمر وهو يقسم في المساكين ، فقال : أعطني فإني ذو حاجة ، فقال : ومن أنت ؟ فقال : أنا أبو شجرة بن عبد العزى السلمي . قال : أي عدو الله ، لا والله ! ألست الذي تقول :


فرويت رمحي من كتيبة خالد     وإني لأرجو بعدها أن أعمرا

؟

وجعل يعلوه بالدرة في رأسه حتى سبقه عدوا إلى ناقته ، فركبها ولحق بقومه وقال :


ضن علينا أبو حفص بنائله     وكل مختبط يوما له ورق

في أبيات .

التالي السابق


الخدمات العلمية