الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 201 ] ذكر أخبار الردة

قال عبد الله بن مسعود : لقد قمنا بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مقاما كدنا نهلك فيه ، لولا أن الله من علينا بأبي بكر ، أجمعنا على أن لا نقاتل على ابنة مخاض وابنة لبون ، وأن نأكل قرى عربية ، ونعبد الله حتى يأتينا اليقين ، فعزم الله لأبي بكر على قتالهم ، فوالله ما رضي منهم إلا بالخطة المخزية أو الحرب المجلية ؛ فأما الخطة المخزية أن يقروا بأن من قتل منهم في النار ، ومن قتل منا في الجنة ، وأن يدوا قتلانا ونغنم ما أخذنا منهم ، وأن ما أخذوا منا مردود علينا . وأما الحرب المجلية فأن يخرجوا من ديارهم .

وأما أخبار الردة فإنه لما مات النبي - صلى الله عليه وسلم - وسير أبو بكر جيش أسامة ارتدت العرب وتضرمت الأرض نارا ، وارتدت كل قبيلة ، عامة أو خاصة ، إلا قريشا وثقيفا ، واستغلظ أمر مسيلمة وطليحة ، واجتمع على طليحة عوام طيئ وأسد ، وارتدت غطفان تبعا لعيينة بن حصن ، فإنه قال : نبي من الحليفين - يعني أسدا وغطفان - أحب إلينا من نبي من قريش ، وقد مات محمد وطليحة حي . فاتبعه وتبعته غطفان . وقدمت رسل النبي - صلى الله عليه وسلم - من اليمامة وأسد وغيرهما وقد مات ، فدفعوا كتبهم لأبي بكر ، وأخبروه الخبر عن مسيلمة وطليحة ، فقال : لا تبرحوا حتى تجيء رسل أمرائكم وغيرهم بأدهى مما وصفتم ، فكان كذلك ، وقدمت كتب أمراء النبي - صلى الله عليه وسلم - من كل مكان بانتفاض العرب عامة أو خاصة ، وتسلطهم على المسلمين ، فحاربهم أبو بكر بما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحاربهم ؛ بالرسل ، فرد رسلهم بأمره ، وأتبع رسلهم رسلا ، وانتظر بمصادمتهم قدوم أسامة ، فكان عمال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على قضاعة وكلب : امرؤ القيس بن الأصبغ الكلبي ، وعلى القين : عمرو بن الحكم ، وعلى سعد هذيم : معاوية الوالبي ، فارتد وديعة الكلبي فيمن تبعه ، وبقي امرؤ القيس على دينه ، وارتد زميل بن قطبة القيني ، وبقي عمرو ، وارتد معاوية فيمن اتبعه من سعد هذيم ، فكتب أبو بكر إلى امرئ القيس ، وهو جد سكينة بنت الحسين ، فسار بوديعة إلى عمرو ، فأقام لزميل ، وإلى معاوية العذري ، وتوسطت خيل أسامة ببلاد قضاعة ، فشن الغارة فيهم ، فغنموا وعادوا سالمين .

التالي السابق


الخدمات العلمية