الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( باب البيع الفاسد ) .

                                                                                        أخره لكونه عقدا مخالفا للدين كما في فتح القدير وصرح الولوالجي رحمه الله تعالى من الفصل السابع بأنه معصية يجب رفعها وسيأتي في باب الربا أن كل عقد فاسد فهو ربا والفاسد له معنيان لغوي واصطلاحي فالأول فسد كنصر وعقد وكرم فسادا وفسودا ضد صلح فهو فاسد وفسيد من فسدى ولم يسمع انفسد ، والفساد أخذ المال ظلما ، والجدب والمفسدة ضد المصلحة ، وفسده تفسيدا أفسده ، وتفاسدوا : قطعوا أرحامهم ، واستفسد ضد استصلح كذا في القاموس ، وفي المصباح واعلم أن الفساد إلى الحيوان أسرع منه إلى النبات ، وإلى النبات أسرع منه إلى الجماد لأن الرطوبة في الحيوان أكثر من الرطوبة في النبات ، وقد يعرض للطبيعة عارض فتعجز الحرارة بسببه عن جريانها في المجاري الطبيعية الدافعة لعوارض العفونة فتكون العفونة بالحيوان أشد تثبتا منها بالنبات فيسرع إليه الفساد فهذه هي الحكمة في قول الفقهاء يقدم القاضي ما يتسارع إليه الفساد فيبدأ ببيع الحيوان ، ويتعدى بالهمزة والتضعيف ، والمفسدة خلاف المصلحة ، وجمعها المفاسد . ا هـ .

                                                                                        وحاصله أنه ما تغير وصفه ، ويمكن الانتفاع به لما في البناية يقال : فسد اللحم إذا نتن مع بقاء الانتفاع به ، وأما الثاني قالوا هو ما كان مشروعا بأصله لا بوصفه ، ولا يخفى مناسبته للمعنى اللغوي ، ومرادهم من مشروعية أصله كونه مالا متقوما لا جوازه ، وصحته فإن كونه فاسدا يمنع صحته ، ولقد تسمح في البناية حيث عرفه بأنه ما لا يصح وصفا فإنه يفيد أنه يصح أصلا ، ولا صحة للفاسد ، وإنما أطلقوا المشروعية على الأصل نظرا إلى أنه لو خلا عن الوصف لكان مشروعا ، وإلا فمع اتصافه بالوصف المنهي عنه لا يبقى مشروعا [ ص: 75 ] أصلا ، والمراد بالفاسد هنا ما يعم الباطل لأنهم يذكرون في هذا الباب ما يعم الباطل أيضا فالمراد به ما لم يكن مشروعا بوصفه أعم من أن يكون مشروعا بأصله أو لا والبياعات المنهي عنها ثلاثة فاسد ، وباطل ، ومكروه تحريما فالفاسد بيناه ، وأما الباطل فله معنيان لغوي ، واصطلاحي فالأول يقال بطل الشيء يبطل بطلا وبطولا وبطلانا بضم الأوائل فسد أو سقط حكمه فهو باطل ، والجمع بواطل أو أباطيل على غير قياس كذا في المصباح ، ويقال للحم إذا صار بحيث لا ينتفع به للدود أو للسوس بطل ، وإذا أنتن فسد كما في فتح القدير ، وأما الثاني فهو ما لا يكون مشروعا لا بأصله ، ولا بوصفه .

                                                                                        وحكمه عدم إفادة الحكم ، وهو الملك قبضه أو لا ، وفيه مناسبة للمعنى اللغوي لأنه بمعنى ما سقط حكمه ، وحكم الفاسد ما لا يفيده بمجرده بل بالقبض ، وأما المكروه فهو لغة خلاف المحبوب ، واصطلاحا ما نهي عنه لمجاور كالبيع عند أذان الجمعة نهي عنه للصلاة ، وعرفه في البناية بما كان مشروعا بأصله ووصفه لكن نهي عنه لمجاور ا هـ .

                                                                                        ويمكن إدخاله تحت الفاسد أيضا على إرادة الأعم ، وهو ما نهي عنه فيشمل الثلاثة ، والفساد بالمعنى الأعم يثبت بأسباب منها الجهالة المفضية إلى المنازعة في المبيع أو الثمن ، ومنه العجز عن التسليم إلا بضرر ، ومنها الغرر ، ومنها شرط خارج عن الشرع ، ومنها عدم المالية أو التقوم ، ومنها عدم الوجود ، ومنها عدم القدرة على التسليم

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        ( باب البيع الفاسد )




                                                                                        الخدمات العلمية