الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 140 ] كتاب الحدود وصفة النفي

( أخبرنا الربيع ) قال ( أخبرنا الشافعي ) قال : قال الله تبارك وتعالى { والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله } ( قال الشافعي ) وقال قائلون كل من لزمه اسم سرقة قطع بحكم الله تعالى ولم يلتفت إلى الأحاديث ( قال الشافعي ) فقلت لبعض الناس قد احتج هؤلاء بما يرى من ظاهر القرآن فما الحجة عليهم ؟ قال : إذا وجدت لرسول الله صلى الله عليه وسلم سنة كانت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم دليلا على معنى ما أراد الله تعالى قلنا : هذا كما وصفت والسنة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن القطع في ربع دينار فصاعدا ( قال الشافعي ) أخبرنا سفيان عن ابن شهاب عن عمرة بنت عبد الرحمن عن عائشة رضي الله تعالى عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { القطع في ربع دينار فصاعدا } .

( قال الشافعي ) أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قطع سارقا في مجن قيمته ثلاثة دراهم } ( قال الشافعي ) وهذان الحديثان متفقان ; لأن ثلاثة دراهم في زمان النبي صلى الله عليه وسلم كانت ربع دينار وذلك أن الصرف كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم اثني عشر درهما بدينار وكان كذلك بعده فرض عمر الدية اثني عشر ألف درهم على أهل الورق وعلى أهل الذهب ألف دينار . وقالت عائشة وأبو هريرة وابن عباس رضي الله عنهم في الدية اثني عشر ألف درهم ( أخبرنا الربيع ) قال ( أخبرنا الشافعي ) قال أخبرنا مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن عمرة أن سارقا سرق أترجة في عهد عثمان فأمر بها عثمان فقومت ثلاثة دراهم من صرف اثني عشر درهما بدينار فقطع عثمان يده قال مالك وهي الأترجة التي يأكلها الناس .

( قال الشافعي ) أخبرنا ابن عيينة عن حميد الطويل قال : سمعت قتادة يسأل أنس بن مالك عن القطع فقال أنس حضرت أبا بكر الصديق رضي الله عنه قطع سارقا في شيء ما يسوى ثلاثة دراهم أو قال ما يسرني أنه لي بثلاثة دراهم .

( قال الشافعي ) فقلت لبعض الناس : هذه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم تحد { أن القطع في ربع دينار فصاعدا } فكيف قلت لا تقطع اليد إلا في عشرة دراهم فصاعدا ؟ قلت له : وما حجتك في ذلك ؟ قال روينا عن شريك عن منصور عن مجاهد عن أيمن عن النبي صلى الله عليه وسلم شبيها بقولنا . قلنا : أوتعرف أيمن ؟ أما أيمن الذي روى عنه عطاء فرجل حدث لعله أصغر من عطاء روى عنه عطاء حديثا عن ربيع ابن امرأة كعب عن كعب فهذا منقطع والحديث المنقطع لا يكون حجة .

قال فقد روينا عن شريك بن عبد الله عن مجاهد عن أيمن بن أم أيمن أخي أسامة لأمه . قلت لا علم لك بأصحابنا ، أيمن أخو أسامة قتل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين قبل مولد مجاهد ولم يبق بعد النبي صلى الله عليه وسلم فيحدث عنه . قال فقد روينا عن عمرو بن شعيب عن عبد الله بن عمر { أن النبي صلى الله عليه وسلم قطع في ثمن المجن } قال عبد الله بن عمرو كان قيمة المجن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم دينارا ( قال الشافعي ) فقلت هذا رأي من عبد الله بن عمر . وفي رواية عمرو بن شعيب والمجان قديما وحديثا سلع يكون ثمن عشرة ومائة [ ص: 141 ] ودرهمين فإذا قطع رسول الله صلى الله عليه وسلم في ربع دينار قطع في أكثر عنه وأنت تزعم أن عمرو بن شعيب ليس ممن تقبل روايته وتترك علينا أشياء رواها توافق أقاويلنا وتقول غلط فكيف ترد روايته مرة وتحتج به على أهل الحفظ والصدق مع أنه لم يرو شيئا يخالف قولنا ؟ قال : فقد روينا قولنا عن علي رضي الله عنه قلنا : ورواه الزعافري عن الشعبي عن علي رضي الله عنه وقد أخبرنا أصحاب جعفر بن محمد عن جعفر عن أبيه أن عليا رضي الله عنه قال : " القطع في ربع دينار فصاعدا " وحديث جعفر عن علي رضي الله عنه أولى أن يثبت من حديث الزعافري عن الشعبي قال : فقد روينا عن ابن مسعود أنه قال " لا تقطع اليد إلا في عشرة دراهم " قلنا : فقد روى الثوري عن عيسى بن أبي عزة عن الشعبي عن عبد الله بن مسعود { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قطع سارقا في خمسة دراهم } وهذا أقرب من أن يكون صحيحا عن عبد الله من حديث ابن مسعود عن القاسم عن عبد الله قال فكيف لم تأخذوا بهذا ؟ قلنا هذا حديث لا يخالف حديثنا إذا قطع في ثلاث دراهم قطع في خمسة وأكثر .

قال : فقد روينا عن عمر أنه لم يقطع في ثمانية .

( قال الشافعي ) قلت : رواه عن عمر بحديث غير صحيح وقد رواه معمر عن عطاء الخراساني عن عمر قال " القطع في ربع دينار فصاعدا " فلم ير أن يحتج به ; لأنه ليس بثابت ( قال الشافعي ) وليس في أحد حجة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى المسلمين اتباعه فلا إلى حديث صحيح ذهب من خالفنا ولا إلى ما ذهب إليه من ترك الحديث واستعمل ظاهر القرآن .

التالي السابق


الخدمات العلمية