الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        باب دخول الحرم ومكة بغير إحرام ودخل ابن عمر وإنما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالإهلال لمن أراد الحج والعمرة ولم يذكر للحطابين وغيرهم

                                                                                                                                                                                                        1748 حدثنا مسلم حدثنا وهيب حدثنا ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم وقت لأهل المدينة ذا الحليفة ولأهل نجد قرن المنازل ولأهل اليمن يلملم هن لهن ولكل آت أتى عليهن من غيرهم ممن أراد الحج والعمرة فمن كان دون ذلك فمن حيث أنشأ حتى أهل مكة من مكة [ ص: 71 ]

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        [ ص: 71 ] قوله : ( باب دخول الحرم ومكة بغير إحرام ) هو من عطف الخاص على العام ؛ لأن المراد بمكة هنا البلد ، فيكون الحرم أعم .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( ودخل ابن عمر ) وصله مالك في " الموطأ " عن نافع قال : " أقبل عبد الله بن عمر من مكة حتى إذا كان بقديد - يعني : بضم القاف - جاءه خبر عن الفتنة ، فرجع فدخل مكة بغير إحرام .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وإنما أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بالإهلال لمن أراد الحج والعمرة ولم يذكر الحطابين وغيرهم ) هو من كلام المصنف ، وحاصله أنه خص الإحرام بمن أراد الحج والعمرة ، واستدل بمفهوم قوله في حديث ابن عباس " ممن أراد الحج والعمرة " فمفهومه أن المتردد إلى مكة - لغير قصد الحج والعمرة - لا يلزمه الإحرام ، وقد اختلف العلماء في هذا ؛ فالمشهور من مذهب الشافعي عدم الوجوب مطلقا ، وفي قول يجب مطلقا ، وفيمن يتكرر دخوله خلاف مرتب وأولى بعدم الوجوب ، والمشهور عن الأئمة الثلاثة الوجوب ، وفي رواية عن كل منهم لا يجب ، وهو قول ابن عمر والزهري والحسن وأهل الظاهر ، وجزم الحنابلة باستثناء ذوي الحاجات المتكررة ، واستثنى الحنفية من كان داخل الميقات ، وزعم ابن عبد البر أن أكثر الصحابة والتابعين على القول بالوجوب .

                                                                                                                                                                                                        ثم أورد المصنف في الباب حديثين ، أحدهما : حديث ابن عباس وقد تقدم الكلام عليه في المواقيت . الثاني : حديث أنس في المغفر ، وقد اشتهر عن الزهري عنه ، ووقع لي من رواية يزيد الرقاشي عن أنس في " فوائد أبي الحسن الفراء الموصلي " وفي الإسناد إلى يزيد مع ضعفه ضعف ، وقيل : إن مالكا تفرد به عن الزهري ، وممن جزم بذلك ابن الصلاح في " علوم الحديث " له في الكلام على الشاذ ، وتعقبه شيخنا الحافظ أبو الفضل العراقي بأنه ورد من طريق ابن أخي الزهري وأبي أويس ومعمر والأوزاعي ، وقال : إن رواية ابن أخي الزهري عند البزار ، ورواية أبي أويس عند ابن سعد وابن عدي ، وأن رواية معمر ذكرها ابن عدي ، وأن رواية الأوزاعي ذكرها المزني ولم يذكر شيخنا من أخرج روايتهما ، وقد وجدت رواية معمر في " فوائد ابن المقري " ورواية الأوزاعي في " فوائد تمام " .

                                                                                                                                                                                                        ثم نقل شيخنا عن ابن مسدي أن ابن العربي قال حين قيل له : لم يروه إلا مالك : قد رويته من ثلاثة عشر طريقا غير طريق مالك ، وأنه وعد بإخراج ذلك ولم يخرج شيئا ، وأطال ابن مسدي في هذه القصة وأنشد فيها شعرا ، وحاصلها أنهم اتهموا ابن العربي في ذلك ونسبوه إلى المجازفة .

                                                                                                                                                                                                        ثم شرع ابن مسدي يقدح في أصل القصة ولم يصب في ذلك ، فراوي القصة عدل متقن ، والذين اتهموا ابن العربي في ذلك هم الذين أخطئوا لقلة اطلاعهم ، وكأنه بخل عليهم بإخراج ذلك لما ظهر له من إنكارهم وتعنتهم ، وقد تتبعت طرقه حتى وقفت على أكثر من العدد الذي ذكره ابن العربي ولله الحمد ، فوجدته من رواية اثني عشر نفسا غير الأربعة التي ذكرها شيخنا وهم : عقيل في " معجم ابن جميع " ، ويونس بن يزيد في " الإرشاد " للخليلي ، وابن أبي حفص في " الرواة عن مالك للخطيب " ، وابن عيينة في " مسند أبي يعلى " ، [ ص: 72 ] وأسامة بن زيد في " تاريخ نيسابور " ، وابن أبي ذئب في " الحلية " ، ومحمد بن عبد الرحمن بن أبي الموالي في " أفراد الدارقطني " ، وعبد الرحمن ومحمد ابنا عبد العزيز الأنصاريان في " فوائد عبد الله بن إسحاق الخراساني " ، وابن إسحاق في " مسند مالك لابن عدي " ، وبحر السقاء ذكره جعفر الأندلسي في تخريجه للجيزي بالجيم والزاي ، وصالح بن أبي الأخضر ذكره أبو ذر الهروي عقب حديث يحيى بن قزعة عن مالك .

                                                                                                                                                                                                        والمخرج عند البخاري في المغازي ، فتبين بذلك أن إطلاق ابن الصلاح متعقب ، وأن قول ابن العربي صحيح ، وأن كلام من اتهمه مردود ، ولكن ليس في طرقه شيء على شرط الصحيح إلا طريق مالك ، وأقربها رواية ابن أخي الزهري فقد أخرجها النسائي في " مسند مالك " وأبو عوانة في صحيحه ، وتليها رواية أبي أويس أخرجها أبو عوانة أيضا وقالوا إنه كان رفيق مالك في السماع عن الزهري ، فيحمل قول من قال : انفرد به مالك - أي : بشرط الصحة - وقول من قال : توبع أي : في الجملة . وعبارة الترمذي سالمة من الاعتراض ؛ فإنه قال بعد تخريجه : حسن صحيح غريب ، لا يعرف كثير أحدا رواه غير مالك عن الزهري فقوله : " كثير " يشير إلى أنه توبع في الجملة .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية