الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ رود ]

                                                          رود : الرود : مصدر فعل الرائد ، والرائد : الذي يرسل في التماس النجعة وطلب الكلإ والجمع رواد مثل زائر وزوار . وفي حديث علي - عليه السلام - في صفة الصحابة - رضوان الله عليهم أجمعين - : يدخلون روادا ويخرجون أدلة أي : يدخلون طالبين للعلم ملتمسين للحلم من عنده ويخرجون أدلة هداة للناس . وأصل الرائد الذي يتقدم القوم يبصر لهم الكلأ ومساقط الغيث ، ومنه حديث الحجاج في صفة الغيث : وسمعت الرواد يدعون إلى ريادتها أي : تطلب الناس إليها وفي حديث وفد عبد القيس : إنا قوم رادة ، هو جمع رائد كحاكة وحائك ، أي : نرود الخير والدين لأهلنا . وفي شعر هذيل : رادهم رائدهم ، ونحو هذا كثير في لغتها فإما أن يكون فاعلا ذهبت عينه ، وإما أن يكون فعلا ، إلا أنه إذا كان فعلا فإنما هو على النسب لا على الفعل ، قال أبو ذؤيب يصف رجلا حاجا طلب عسلا :


                                                          فبات بجمع ثم تم إلى منى فأصبح رادا يبتغي المزج بالسحل



                                                          أي : طالبا ، وقد راد أهله منزلا وكلأ ، وراد لهم رودا وريادا وارتاد واستراد : وفي حديث معقل بن يسار وأخته : فاستراد لأمر الله أي : رجع ولان وانقاد ، وارتاد لهم يرتاد . ورجل راد : بمعنى رائد ، وهو فعل - بالتحريك - بمعنى فاعل كالفرط بمعنى الفارط . ويقال : بعثنا رائدا يرود الكلأ والمنزل ويرتاد . والمعنى واحد أي : ينظر ويطلب ويختار أفضله . قال : وجاء في الشعر : بعثوا رادهم أي : رائدهم ، ومن أمثالهم : الرائد لا يكذب أهله ، يضرب مثلا للذي لا يكذب إذا حدث ، وإنما قيل له ذلك ; لأنه إن لم يصدقهم فقد غرر بهم . وراد الكلأ يروده رودا وريادا وارتاده ارتيادا بمعنى أي : طلبه . ويقال : راد أهله يرودهم مرعى أو منزلا ريادا وارتاد لهم ارتيادا ، ومنه الحديث : إذا أراد أحدكم أن يبول فليرتد لبوله أي : يرتاد مكانا دمثا لينا منحدرا ، لئلا يرتد عليه بوله ويرجع عليه رشاشه . والرائد : الذي لا منزل له . وفي الحديث : الحمى رائد الموت أي : رسول الموت الذي يتقدمه كالرائد الذي يبعث ليرتاد منزلا ويتقدم قومه ، ومنه حديث المولد : أعيذك بالواحد ، من شر كل حاسد وكل خلق رائد أي : يتقدم بمكروه . وقولهم : فلان مستراد لمثله ، وفلانة مستراد لمثلها أي : مثله ومثلها يطلب ويشح به لنفاسته ، وقيل : معناه مستراد مثله أو مثلها ، واللام زائدة ، وأنشد ابن الأعرابي :


                                                          ولكن دلا مسترادا لمثله     وضربا لليلى لا يرى مثله ضربا



                                                          وراد الدار يرودها : سألها ، قال يصف الدار :


                                                          وقفت فيها رائدا أرودها



                                                          ورادت الدواب رودا ورودانا واسترادت : رعت ، قال أبو ذؤيب :


                                                          وكان مثلين أن لا يسرحوا نعما     حيث استرادت مواشيهم وتسريح



                                                          وردتها أنا وأردتها . والروائد : المختلفة من الدواب ، وقيل : الروائد منها التي ترعى من بينها وسائرها محبوس عن المرتع أو مربوط . [ ص: 260 ] التهذيب : والروائد من الدواب التي ترتع ، ومنه قول الشاعر :


                                                          كأن روائد المهرات منها



                                                          ورائد العين : عوارها الذي يرود فيها . ويقال : راد وساده إذا لم يستقر . والرياد وذب الرياد : الثور الوحشي سمي بالمصدر ، قال ابن مقبل :


                                                          يمشي بها ذب الرياد كأنه     فتى فارسي في سراويل رامح



                                                          وقال أبو حنيفة : رادت الإبل ترود ريادا : اختلفت في المرعى مقبلة ومدبرة وذلك ريادها ، والموضع مراد ، وكذلك مراد الريح وهو المكان الذي يذهب فيه ويجاء ، قال جندل :


                                                          والآل في كل مراد هوجل



                                                          وفي حديث قس :


                                                          ومرادا لمحشر الخلق طرا



                                                          أي : موضعا يحشر فيه الخلق وهو مفعل من راد يرود وإن ضمت الميم ، فهو اليوم الذي يراد أن يحشر فيه الخلق . ويقال : راد يرود إذا جاء وذهب ولم يطمئن . ورجل رائد الوساد إذا لم يطمئن عليه لهم أقلقه وبات رائد الوساد ، وأنشد :


                                                          تقول له لما رأت جمع رحله     أهذا رئيس القوم راد وسادها



                                                          دعا عليها بأن لا تنام فيطمئن وسادها . وامرأة راد ورواد - بالتخفيف غير مهموز - ورءود ، الأخيرة عن أبي علي : طوافة في بيوت جاراتها ، وقد رادت ترود رودا ورودانا ورءودا ، فهي رادة إذا أكثرت الاختلاف إلى بيوت جاراتها . الأصمعي : الرادة من النساء - غير مهموز - التي ترود وتطوف والرأدة - بالهمز السريعة الشباب - مذكور في موضعه . ورادت الريح ترود رودا ورءودا ورودانا : جالت ، وفي التهذيب : إذا تحركت ونسمت تنسم نسمانا إذا تحركت تحركا خفيفا . وأراد الشيء : شاءه ، قال ثعلب : الإرادة تكون محبة وغير محبة ، فأما قوله :


                                                          إذا ما المرء كان أبوه عبس     فحسبك ما تريد إلى الكلام



                                                          فإنما عداه بإلى لأن فيه معنى الذي يحوجك أو يجيئك إلى الكلام ، ومثله قول كثير :


                                                          أريد لأنسى ذكرها فكأنما     تمثل لي ليلى بكل سبيل



                                                          أي : أريد أن أنسى . قال ابن سيده : وأرى سيبويه قد حكى إرادتي بهذا لك أي : قصدي بهذا لك . وقوله - عز وجل - : فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض فأقامه أي : أقامه الخضر . وقال : يريد والإرادة إنما تكون من الحيوان ، والجدار لا يريد إرادة حقيقية لأن تهيؤه للسقوط قد ظهر كما تظهر أفعال المريدين ، فوصف الجدار بالإرادة إذ كانت الصورتان واحدة ، ومثل هذا كثير في اللغة والشعر ، قال الراعي :


                                                          في مهمه قلقت به هاماتها     قلق الفئوس إذا أردن نضولا



                                                          وقال آخر :


                                                          يريد الرمح صدر أبي براء     ويعدل عن دماء بني عقيل



                                                          وأردته بكل ريدة أي : بكل نوع من أنواع الإرادة . وأراده على الشيء : كأداره . والرود والرؤد : المهلة في الشيء . وقالوا : رويدا أي : مهلا ، قال ابن سيده : هذه حكاية أهل اللغة ، وأما سيبويه فهو عنده اسم للفعل . وقالوا رويدا أي : أمهله ولذلك لم يثن ولم يجمع ولم يؤنث . وفلان يمشي على رود أي : على مهل ، قال الجموح الظفري :


                                                          تكاد لا تثلم البطحاء وطأتها     كأنها ثمل يمشي على رود



                                                          وتصغيره رويد . أبو عبيد عن أصحابه : تكبير رويد رود وتقول منه أرود في السير إروادا ومرودا أي : ارفق ، وقال امرؤ القيس :


                                                          جواد المحثة والمرود



                                                          وبفتح الميم أيضا مثل المخرج والمخرج ، قال ابن بري : صواب إنشاده جواد - بالنصب - لأن صدره :


                                                          وأعددت للحرب وثابة



                                                          والجواد هنا الفرس السريعة . والمحثة : من الحث ، يقول : إذا استحثثتها في السير أو رفقت بها أعطتك ما يرضيك من فعلها . وقولهم : الدهر أرود ذو غير أي : يعمل عمله في سكون لا يشعر به . والإرواد : الإمهال ، ولذلك قالوا : رويدا بدلا من قولهم : إروادا ، التي بمعنى أرود فكأنه تصغير الترخيم بطرح جميع الزوائد ، وهذا حكم هذا الضرب من التحقير ، قال ابن سيده : وهذا مذهب سيبويه في رويد لأنه جعله بدلا من أرود ، غير أن رويدا أقرب إلى إرواد منها إلى أرود لأنها اسم مثل إرواد ، وذهب غير سيبويه إلى أن رويدا تصغير رود ، وأنشد بيت الجموح الظفري :


                                                          كأنها ثمل يمشي على رود



                                                          قال : وهذا خطأ ; لأن رودا لم يوضع موضع الفعل كما وضعت إرودا بدليل أرود . وقالوا : رويدك زيدا فلم يجعلوا للكاف موضعا ، وإنما هي للخطاب ودليل ذلك قولهم : أرأيتك زيدا أبو من ؟ والكاف لا موضع لها لأنك لو قلت أرأيت زيدا أبو من هو لا يستغني الكلام ، قال سيبويه : وسمعنا من العرب من يقول : والله لو أردت الدراهم لأعطيتك رويد ما الشعر ، يريد أرود الشعر كقول القائل : لو أردت الدراهم لأعطينك فدع الشعر ، قال الأزهري : فقد تبين أن رويد في موضع الفعل ومتصرفه يقول : رويد زيدا ، كما يقول أرود زيدا ، وأنشد :


                                                          رويد عليا جد ما ثدي أمهم     إلينا ولكن ودهم متماين



                                                          قال : رواه ابن كيسان " ولكن بعضهم متيامن " وفسره أنه ذاهب إلى اليمن . قال : وهذا أحب إلي من " متماين " . قال ابن سيده : ومن العرب من يقول رويد زيد كقوله غدر الحي وضرب الرقاب ، قال : [ ص: 261 ] وعلى هذا أجازوا رويدك نفسك زيدا . قال سيبويه : وقد يكون رويد صفة فيقولون ساروا سيرا رويدا ، ويحذفون السير فيقولون ساروا رويدا يجعلونه حالا له وصف كلامه واجتزأ بما في صدر حديثه من قولك سار عن ذكر السير ، قال الأزهري : ومن ذلك قول العرب : ضعه رويدا أي : وضعا رويدا ومن ذلك قول الرجل يعالج الشيء إنما يريد أن يقول علاجا رويدا قال : فهذا على وجه الحال إلا أن يظهر الموصوف به فيكون على الحال وعلى غير الحال . قال : واعلم أن رويدا تلحقها الكاف وهي في موضع أفعل ، وذلك قولك رويدك زيدا ورويدكم زيدا فهذه الكاف التي ألحقت لتبيين المخاطب في رويدا ، ولا موضع لها من الإعراب لأنها ليست باسم ، ورويد غير مضاف إليها ، وهو متعد إلى زيد لأنه اسم سمي به الفعل يعمل عمل الأفعال ، وتفسير رويد مهلا ، وتفسير رويدك أمهل ; لأن الكاف إنما تدخله إذا كان بمعنى أفعل دون غيره ، وإنما حركت الدال لالتقاء الساكنين فنصب نصب المصادر وهو مصغر مأمور به ، لأنه تصغير الترخيم من إرواد وهو مصدر أرود يرود ، وله أربعة أوجه : اسم للفعل وصفة وحال ومصدر ، فالاسم نحو قولك : رويد عمرا أي : أرود عمرا بمعنى أمهله ، والصفة نحو قولك : ساروا سيرا رويدا ، والحال نحو قولك سار القوم رويدا لما اتصل بالمعرفة صار حالا لها ، والمصدر نحو قولك رويد عمرو بالإضافة ، كقوله تعالى : فضرب الرقاب . وفي حديث أنجشة : رويدك رفقا بالقوارير أي : أمهل وتأن وارفق ، وقال الأزهري عند قوله : فهذه الكاف التي ألحقت لتبيين المخاطب في رويدا ، قال : وإنما ألحقت المخصوص ; لأن رويدا قد يقع للواحد والجمع والذكر والأنثى ، فإنما أدخل الكاف حيث خيف التباس من يعنى ممن لا يعنى ، وإنما حذفت في الأول استغناء بعلم المخاطب لأنه لا يعني غيره . وقد يقال رويدا لمن لا يخاف أن يلتبس بمن سواه توكيدا ، وهذا كقولك النجاءك والوحاك تكون هذه الكاف علما للمأمورين والمنهيين . قال : وقال الليث : إذا أردت برويدا الوعيد نصبتها بلا تنوين ، وأنشد :


                                                          رويد تصاهل بالعراق جيادنا     كأنك بالضحاك قد قام نادبه



                                                          قال ابن سيده ، وقال بعض أهل اللغة : وقد يكون رويدا للوعيد ، كقوله :


                                                          رويد بني شيبان بعض وعيدكم     تلاقوا غدا خيلي على سفوان



                                                          فأضاف رويدا إلى بني شيبان ونصب بعض وعيدكم بإضمار فعل ، وإنما قال رويد بني شيبان على أن بني شيبان في موضع مفعول ، كقولك رويد زيد وكأنه أمر غيرهم بإمهالهم ، فيكون " بعض وعيدكم " على تحويل الغيبة إلى الخطاب ، ويجوز أن يكون بني شيبان منادى أي : أمهلوا بعض وعيدكم ، ومعنى الأمر هاهنا التأخير والتقليل منه ، ومن رواه رويد بني شيبان بعض وعيدهم كان على البدل لأن موضع بني شيبان نصب ، على هذا يتجه إعراب البيت ، قال : وأما معنى الوعيد فلا يلزم وإنما الوعيد فيه بحسب الحال لأنه يتوعدهم باللقاء ويتوعدونه بمثله . قال الأزهري : وإذا أردت برويد المهلة والإرواد في الشيء فانصب ونون ، تقول : امش رويدا قال : وتقول العرب أرود في معنى رويدا المنصوبة . قال ابن كيسان في باب رويدا : كأن رويدا من الأضداد ، تقول رويدا إذا أرادوا دعه وخله وإذا أرادوا ارفق به وأمسكه قالوا : رويدا زيدا أيضا ، قال : وتيد زيدا بمعناها ، قال : ويجوز إضافتها إلى زيد لأنهما مصدران كقوله تعالى : فضرب الرقاب . وفي حديث علي إن لبني أمية مرودا يجرون إليه . هو مفعل من الإرواد الإمهال كأنه شبه المهلة التي هم فيها بالمضمار الذي يجرون إليه ، والميم زائدة . التهذيب : والريدة اسم يوضع موضع الارتياد والإرادة . وأراد الشيء : أحبه وعني به والاسم الريد . وفي حديث عبد الله : إن الشيطان يريد ابن آدم بكل ريدة أي : بكل مطلب ومراد . يقال : أراد يريد إرادة والريدة الاسم من الإرادة . قال ابن سيده : فأما ما حكاه اللحياني من قولهم : هردت الشيء أهريده هرادة ، فإنما هو على البدل ، قال سيبويه : أريد لأن تفعل معناه إرادتي لذلك ، كقوله تعالى : وأمرت لأن أكون أول المسلمين . الجوهري وغيره : والإرادة المشيئة وأصله الواو ، كقولك راوده أي : أراده على أن يفعل كذا ، إلا أن الواو سكنت فنقلت حركتها إلى ما قبلها فانقلبت في الماضي ألفا وفي المستقبل ياء وسقطت في المصدر لمجاورتها الألف الساكنة وعوض منها الهاء في آخره . قال الليث : وتقول راود فلان جاريته عن نفسها وراودته هي عن نفسه إذا حاول كل واحد من صاحبه الوطء والجماع ، ومنه قوله تعالى : تراود فتاها عن نفسه فجعل الفعل لها وراودته على كذا مراودة وروادا أي : أردته . وفي حديث أبي هريرة : حيث يراود عمه أبا طالب على الإسلام أي : يراجعه ويراده ومنه حديث الإسراء : قال له موسى - صلى الله عليه وسلم - : قد والله راودت بني إسرائيل على أدنى من ذلك فتركوه . وراودته عن الأمر وعليه : داريته . والرائد العود الذي يقبض عليه الطاحن إذا أداره . قال ابن سيده : والرائد مقبض الطاحن من الرحى . ورائد الرحى : مقبضها . والرائد : يد الرحى . والمرود : الميل وحديدة تدور في اللجام ومحور البكرة إذا كان من حديد . وفي حديث ماعز : كما يدخل المرود في المكحلة ؛ المرود - بكسر الميم - : الميل الذي يكتحل به ، والميم زائدة . والمرود أيضا : المفصل . والمرود : الوتد ، قال :


                                                          داويته بالمحض حتى شتا     يجتذب الأري بالمرود



                                                          أراد مع المرود . ويقال : ريح رود لينة الهبوب . ويقال : ريح رادة إذا كانت هوجاء تجيء وتذهب . وريح رائدة : مثل رادة ، وكذلك رواد ، قال جرير :


                                                          أصعصع ! إن أمك بعد ليلي     رواد الليل مطلقة الكمام



                                                          وكذلك امرأة رواد ورادة ورائدة .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية