الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ رهن ]

                                                          رهن : الرهن معروف . قال ابن سيده : الرهن ما وضع عند الإنسان مما ينوب مناب ما أخذ منه . يقال : رهنت فلانا دارا رهنا وارتهنه إذا أخذه رهنا ، والجمع رهون ورهان ورهن بضم الهاء ، قال : وليس رهن جمع رهان ; لأن رهانا جمع ، وليس كل جمع يجمع إلا أن ينص عليه بعد أن لا يحتمل غير ذلك كأكلب وأكالب وأيد وأياد وأسقية وأساق ، وحكى ابن جني في جمعه رهين كعبد وعبيد ، قال الأخفش في جمعه على رهن قال : وهي قبيحة ; لأنه لا يجمع فعل على فعل إلا قليلا شاذا ، قال : وذكر أنهم يقولون سقف وسقف ، قال : وقد يكون رهن جمعا للرهان كأنه يجمع رهن على رهان ، ثم يجمع رهان على رهن مثل فراش وفرش . والرهينة : واحدة الرهائن . وفي الحديث : كل غلام رهينة بعقيقته ، الرهينة : الرهن والهاء للمبالغة كالشتيمة والشتم ، ثم استعملا في معنى المرهون فقيل : هو رهن بكذا ورهينة بكذا ، ومعنى قوله : رهينة بعقيقته أن العقيقة لازمة له لا بد منها ، فشبهه في لزومها له وعدم انفكاكه منها بالرهن في يد المرتهن . قال الخطابي : تكلم الناس في هذا وأجود ما قيل فيه ما ذهب إليه أحمد بن حنبل ، قال : هذا في الشفاعة ، يريد أنه إذا لم يعق عنه فمات طفلا لم يشفع في والديه ، وقيل : معناه مرهون بأذى شعره ، واستدلوا بقوله : فأميطوا عنه الأذى ، وهو ما علق به من دم الرحم . ورهنه الشيء يرهنه رهنا ورهنه عنده ، كلاهما : جعله عنده رهنا . قال الأصمعي : ولا يقال أرهنته . ورهنه عنه : جعله رهنا بدلا منه ، قال :

                                                          [ ص: 248 ]

                                                          ارهن بنيك عنهم أرهن بني



                                                          أراد أرهن أنا بني كما فعلت أنت ، وزعم ابن جني أن هذا الشعر جاهلي . وأرهنته الشيء : لغة ، قال همام بن مرة ، وهو في الصحاح لعبد الله بن همام السلولي :


                                                          فلما خشيت أظافيرهم     نجوت وأرهنتهم مالكا
                                                          غريبا مقيما بدار الهوا     ن أهون علي به هالكا
                                                          وأحضرت عذري عليه الشهو     د إن عاذرا لي وإن تاركا
                                                          وقد شهد الناس عند الإما     م أني عدو لأعدائكا



                                                          وأنكر بعضهم أرهنته ، وروي هذا البيت : وأرهنهم مالكا ، كما تقول : قمت وأصك عينه ، قال ثعلب : الرواة كلهم على أرهنتهم ، على أنه يجوز رهنته وأرهنته ، إلا الأصمعي فإنه رواه وأرهنهم مالكا على أنه عطف بفعل مستقبل على فعل ماض ، وشبهه بقولهم قمت وأصك وجهه ، وهو مذهب حسن ; لأن الواو حال ، فيجعل أصك حالا للفعل الأول على معنى قمت صاكا وجهه أي : تركته مقيما عندهم ، ليس من طريق الرهن ; لأنه لا يقال أرهنت الشيء ، وإنما يقال رهنته ، قال : ومن روى وأرهنتهم مالكا فقد أخطأ ، قال ابن بري : وشاهد رهنته الشيء بيت أحيحة بن الجلاح :


                                                          يراهنني فيرهنني بنيه     وأرهنه بني بما أقول



                                                          ومثله للأعشى :


                                                          آليت لا أعطيه من أبنائنا     رهنا فيفسدهم كمن قد أفسدا
                                                          حتى يفيدك من بنيه رهينة     نعش ويرهنك السماك الفرقدا



                                                          وفي هذا البيت شاهد على جمع رهن على رهن . وأرهنته الثوب : دفعته إليه ليرهنه . قال ابن الأعرابي : رهنته لساني لا غير ، وأما الثوب فرهنته وأرهنته معروفتان . وكل شيء يحتبس به شيء فهو رهينه ومرتهنه . وارتهن منه رهنا : أخذه . والرهان والمراهنة : المخاطرة ، وقد راهنه وهم يتراهنون ، وأرهنوا بينهم خطرا : بدلوا منه ما يرضى به القوم بالغا ما بلغ ، فيكون لهم سبقا . وراهنت فلانا على كذا مراهنة : خاطرته . التهذيب : وأرهنت ولدي إرهانا أخطرتهم خطرا . وفي التنزيل العزيز : فرهان مقبوضة قرأ نافع وعاصم وأبو جعفر وشيبة : فرهان مقبوضة ، وقرأ أبو عمرو وابن كثير : ( فرهن مقبوضة ) ، وكان أبو عمرو يقول : الرهان في الخيل ، قال قعنب :


                                                          بانت سعاد وأمسى دونها عدن     وغلقت عندها من قبلك الرهن



                                                          وقال الفراء : من قرأ فرهن فهي جمع رهان مثل ثمر جمع ثمار ، والرهن في الرهن أكثر ، والرهان في الخيل أكثر ، وقيل في قوله تعالى : فرهان مقبوضة قال ابن عرفة : الرهن في كلام العرب هو الشيء الملزم . يقال هذا راهن لك أي : دائم محبوس عليك . وقوله تعالى : كل نفس بما كسبت رهينة و كل امرئ بما كسب رهين أي : محتبس بعمله ورهينة محبوسة بكسبها . وقال الفراء : الرهن يجمع رهانا مثل نعل ونعال ، ثم الرهان يجمع رهنا . وكل شيء ثبت ودام فقد رهن . والمراهنة والرهان : المسابقة على الخيل وغير ذلك . وأنا لك رهن بالري وغيره أي : كفيل ، قال :


                                                          إني ودلوي لها وصاحبي     وحوضها الأفيح ذا النصائب
                                                          رهن لها بالري غير الكاذب



                                                          وأنشد الأزهري :


                                                          إن كفي لك رهن بالرضا



                                                          أي : أنا كفيل لك . ويدي لك رهن : يريدون به الكفالة ، وأنشد ابن الأعرابي :


                                                          والمرء مرهون فمن لا يخترم     بعاجل الحتف يعاجل بالهرم



                                                          قال : أرهن أدام لهم . أرهنت لهم طعامي وأرهيته أي : أدمته لهم . وأرهى لك الأمر أي أمكنك ، وكذلك أوهب . قال : والمهو والرهو والرخف واحد ، وهو اللين . وقد رهن في البيع والقرض بغير ألف ، وأرهن بالسلعة وفيها : غالى بها وبذل فيها ماله حتى أدركها ، قال : وهو من الغلاء خاصة ، قال :


                                                          يطوي ابن سلمى بها من راكب بعدا     عيدية أرهنت فيها الدنانير



                                                          ويروى صدر البيت :


                                                          ظلت تجوب بها البلدان ناجية



                                                          والعيدية : إبل منسوبة إلى العيد ، والعيد : قبيلة من مهرة ، وإبل مهرة موصوفة بالنجابة ، وأورد الأزهري هذا البيت مستشهدا على قوله أرهن هذا في كذا وكذا يرهن إرهانا إذا أسلف فيه . ويقال : أرهنت في السلعة بمعنى أسلفت . والمرتهن : الذي يأخذ الرهن ، والشيء مرهون ورهين والأنثى رهينة . والراهن : الثابت . وأرهنه للموت : أسلمه ، عن ابن الأعرابي : وأرهن الميت قبرا . ضمنه إياه ، وإنه لرهين قبر وبلى ، والأنثى رهينة . وكل أمر يحتبس به شيء فهو رهينه ومرتهنه ، كما أن الإنسان رهين عمله . ورهن لك الشيء : أقام ودام . وطعام راهن : مقيم ، قال :


                                                          الخبز واللحم لهم راهن     وقهوة راووقها ساكب



                                                          وأرهنه لهم ورهنه : أدامه ، والأول أعلى . التهذيب : أرهنت لهم الطعام والشراب إرهانا أي : أدمته . وهو طعام راهن أي : دائم ، قاله أبو عمرو ، وأنشد للأعشى يصف قوما يشربون خمرا لا تنقطع :


                                                          لا يستفيقون منها وهي راهنة [ ص: 249 ]     إلا بهات وإن علوا وإن نهلوا



                                                          ورهن الشيء رهنا : دام وثبت . وراهنة في البيت : دائمة ثابتة . وأرهن له الشر : أدامه وأثبته له حتى كف عنه . وأرهن لهم ماله : أدامه لهم . وهذا راهن لك أي : معد . والراهن : المهزول المعيي من الناس والإبل وجميع الدواب ، رهن يرهن رهونا ، وأنشد الأموي :


                                                          إما تري جسمي خلا قد رهن     هزلا وما مجد الرجال في السمن



                                                          ابن شميل : الراهن الأعجف من ركوب أو مرض أو حدث ، يقال : ركب حتى رهن . الأزهري : رأيت بخط أبي بكر الإيادي : جارية أرهون أي : حائض ، قال : ولم أره لغيره . والراهنة من الفرس : السرة وما حولها . والراهون : اسم جبل بالهند ، وهو الذي هبط عليه آدم عليه السلام . ورهنان : موضع . ورهين والرهين : اسمان ، قال أبو ذؤيب :


                                                          عرفت الديار لأم الرهي     ن بين الظباء فوادي عشر



                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية