الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ رهق ]

                                                          رهق : الرهق : الكذب ، وأنشد :


                                                          حلفت يمينا غير ما رهق بالله رب محمد وبلال



                                                          أبو عمرو : الرهق الخفة والعربدة ، وأنشد في وصف كرمة وشرابها :


                                                          لها حليب كأن المسك خالطه     يغشى الندامى عليه الجود والرهق



                                                          أراد عصير العنب . والرهق : جهل في الإنسان وخفة في عقله ، تقول : به رهق : ورجل مرهق : موصوف بذلك ولا فعل له . والمرهق : الفاسد : والمرهق : الكريم الجواد . ابن الأعرابي : إنه لرهق نزل أي : سريع إلى الشر سريع الحدة ، قال الكميت :


                                                          ولاية سلغد ألف كأنه     من الرهق المخلوط بالنوك أثول



                                                          قال الشيباني : فيه رهق أي : حدة وخفة . وإنه لرهق أي : فيه حدة وسفه . والرهق : السفه والنوك . وفي الحديث : حسبك من الرهق والجفاء أن لا يعرف بيتك ، معناه لا تدعو الناس إلى بيتك للطعام ، أراد بالرهق النوك والحمق ؛ وفي حديث علي : أنه وعظ رجلا في صحبة رجل رهق ، أي فيه خفة وحدة . يقال : رجل فيه رهق إذا كان يخف إلى الشر ويغشاه ، وقيل : الرهق في الحديث الأول الحمق والجهل ، أراد حسبك من هذا الخلق أن يجهل بيتك ولا يعرف ، وذلك أنه كان اشترى إزارا منه فقال للوزان : زن وأرجح ، فقال : من هذا ؟ فقال المسئول : حسبك جهلا أن لا يعرف بيتك ، قال ابن الأثير : هكذا رواه الهروي ، قال : وهو وهم وإنما هو حسبك من الرهق والجفاء أن لا تعرف نبيك أي : أنه لما سأل عنه حيث قال له : زن وأرجح ، لم يكن يعرفه فقال له المسئول : حسبك جهلا أن لا تعرف نبيك ، قال : على أني رأيته في بعض نسخ الهروي مصلحا ، ولم يذكر فيه التعليل والطعام والدعاء إلى البيت . والرهق : التهمة . والمرهق : المتهم في دينه . والرهق : الإثم . والرهقة : المرأة الفاجرة . ورهق فلان فلانا : تبعه فقارب أن يلحقه . وأرهقناهم الخيل : ألحقناهم إياها . وفي التنزيل : ولا ترهقني من أمري عسرا أي : لا تغشني شيئا ، وقال أبو خراش الهذلي :


                                                          ولولا نحن أرهقه صهيب     حسام الحد مطرورا خشيبا



                                                          وروي : مذروبا خشيبا ، وأرهقه حساما : بمعنى أغشاه إياه ، وعليه يصح المعنى . وأرهقه عسرا أي : كلفه إياه ، تقول : لا ترهقني لا أرهقك الله أي : لا تعسرني لا أعسرك الله ، وأرهقه إثما أو أمرا صعبا حتى رهقه رهقا ، والرهق : غشيان الشيء . رهقه بالكسر يرهقه رهقا أي غشيه ، تقول : رهقه ما يكره أي غشيه ذلك . وأرهقت الرجل : أدركته ورهقته : غشيته . وأرهقه طغيانا أي : أغشاه إياه ، وأرهقته إثما حتى رهقه رهقا : أدركه . وأرهقني فلان إثما حتى رهقته أي : حملني إثما حتى حملته له . وفي الحديث : فإن رهق سيده دين أي : لزمه أداؤه وضيق عليه . وحديث سعد : كان إذا دخل مكة مراهقا خرج إلى عرفة قبل أن يطوف بالبيت أي : إذا ضاق عليه الوقت بالتأخير حتى يخاف فوت الوقوف كأنه كان يقدم يوم التروية أو يوم عرفة . الفراء : رهقني الرجل يرهقني رهقا أي : لحقني وغشيني ، [ ص: 246 ] وأرهقته إذا أرهقته غيرك . يقال : أرهقناهم الخيل فهم مرهقون . ويقال : رهقه دين فهو يرهقه إذا غشيه . وإنه لعطوب على المرهق أي : على المدرك . والمرهق : المحمول عليه في الأمر ما لا يطيق . وبه رهقة شديدة : وهي العظمة والفساد . ورهقت الكلاب الصيد رهقا : غشيته ولحقته . والرهق : غشيان المحارم من شرب الخمر ونحوه . تقول : في فلان رهق أي : يغشى المحارم ، قال ابن أحمر يمدح النعمان بن بشير الأنصاري :


                                                          كالكوكب الأزهر انشقت دجنته     في الناس لا رهق فيه ولا بخل



                                                          قال ابن بري : وكذلك فسر الرهق في شعر الأعشى بأنه غشيان المحارم وما لا خير فيه في قوله :


                                                          لا شيء ينفعني من دون رؤيتها     هل يشتفي وامق ما لم يصب رهقا

                                                          ؟

                                                          والرهق : السفه وغشيان المحارم . والمرهق : الذي أدرك ليقتل ، قال الشاعر :


                                                          ومرهق سال إمتاعا بأصدته     لم يستعن وحوامي الموت تغشاه
                                                          فرجت عنه بصرعين لأرملة     وبائس جاء معناه كمعناه



                                                          قال ابن بري : أنشده أبو علي الباهلي غيث بن عبد الكريم لبعض العرب يصف رجلا شريفا ارتث في بعض المعارك ، فسألهم أن يمتعوه بأصدته ، وهي ثوب صغير يلبس تحت الثياب أي : لا يسلب ، وقوله : لم يستعن لم يحلق عانته وهو في حال الموت ، وقوله : فرجت عنه بصرعين ، الصرعان : الإبلان ترد إحداهما حين تصدر الأخرى لكثرتها ، يقول : افتديته بصرعين من الإبل فأعتقته بهما ، وإنما أعددتهما للأرامل والأيتام أفديهم بها ، وقال الكميت :


                                                          تندى أكفهم وفي أبياتهم     ثقة المجاور والمضاف المرهق



                                                          والمرهق : الذي يغشاه السؤال والضيفان ، قال ابن هرمة :


                                                          خير الرجال المرهقون كما     خير تلاع البلاد أكلؤها



                                                          وقال زهير يمدح رجلا :


                                                          ومرهق النيران يحمد في ال     لأواء غير ملعن القدر



                                                          وفي التنزيل : ولا يرهق وجوههم قتر ولا ذلة أي : لا يغشاها ولا يلحقها . وفي الحديث : إذا صلى أحدكم إلى شيء فليرهقه أي : فليغشه وليدن منه ولا يبعد منه . وأرهقنا الليل : دنا منا وأرهقنا الصلاة : أخرناها حتى دنا وقت الأخرى . وفي حديث ابن عمرو : وأرهقنا الصلاة ونحن نتوضأ أي : أخرناها عن وقتها حتى كدنا نغشيها ونلحقها بالصلاة التي بعدها . ورهقتنا الصلاة رهقا : حانت . ويقال : هو يعدو الرهقى وهو أن يسرع في عدوه حتى يرهق الذي يطلبه . والرهوق : الناقة الوساع الجواد التي إذا قدتها رهقتك حتى تكاد تطؤك بخفيها ، وأنشد :


                                                          وقلت لها : أرخي فأرخت برأسها     غشمشمة للقائدين رهوق



                                                          وراهق الغلام ، فهو مراهق إذا قارب الاحتلام . والمراهق : الغلام الذي قد قارب الحلم وجارية مراهقة . ويقال : جارية راهقة وغلام راهق ، وذلك ابن العشر إلى إحدى عشرة ، وأنشد :


                                                          وفتاة راهق علقتها     في علالي طوال وظلل



                                                          وقال الزجاج في قوله تعالى : وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا قيل : كان أهل الجاهلية إذا مرت رفقة منهم بواد يقولون : نعوذ بعزيز هذا الوادي من مردة الجن ، فزادوهم رهقا أي : ذلة وضعفا ، قال : ويجوز والله أعلم أن الإنسان الذي عاذوا به من الجن زادهم رهقا أي : ذلة ، وقال قتادة : زادوهم إثما ، وقال الكلبي : زادوهم غيا ، وقال الأزهري : فزادوهم رهقا هو السرعة إلى الشر ، وقيل : في قوله تعالى : فزادوهم رهقا أي : سفها وطغيانا ، وقيل في تفسير الرهق : الظلم ، وقيل الطغيان ، وقيل الفساد ، وقيل العظمة ، وقيل السفه ، وقيل الذلة . ويقال : الرهق الكبر . ويقال : رجل رهق أي : معجب ذو نخوة ، ويدل على صحة ذلك قول حذيفة لعمر بن الخطاب رضي الله عنه : إنك لرهق ; وسبب ذلك أنه أنزلت آية الكلالة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ورأس ناقة عمر بن الخطاب رضي الله عنه عند كفل ناقة حذيفة فلقنها رسول الله صلى الله عليه وسلم حذيفة ولم يلقنها عمر رضي الله عنه ، فلما كان في خلافة عمر بعث إلى حذيفة يسأله عنها ، فقال حذيفة : إنك لرهق ، أتظن أني أهابك لأقرئك ؟ فكان عمر رضي الله عنه بعد ذلك إذا سمع إنسانا يقرأ : يبين الله لكم أن تضلوا قال عمر رضي الله عنه : اللهم إنك بينتها وكتمها حذيفة . والرهق : العجلة ، قال الأخطل :


                                                          صلب الحيازيم لا هدر الكلام إذا     هز القناة ولا مستعجل رهق



                                                          وفي الحديث : إن في سيف خالد رهقا أي : عجلة . والرهق . الهلاك أيضا ، قال رؤبة يصف حمرا وردت الماء :


                                                          بصبصن واقشعررن من خوف الرهق



                                                          أي : من خوف الهلاك . والرهق أيضا : اللحاق . وأرهقني القوم أن أصلي أي : أعجلوني . وأرهقته أن يصلي إذا أعجلته الصلاة . وفي الحديث : ارهقوا القبلة أي : ادنوا منها ، ومنه قولهم : غلام مراهق أي : مقارب للحلم ، وراهق الحلم : قاربه . وفي حديث موسى والخضر : فلو أنه أدرك أبويه لأرهقهما طغيانا وكفرا أي : أغشاهما وأعجلهما . وفي التنزيل : أن يرهقهما طغيانا وكفرا . ويقال : طلبت فلانا حتى رهقته أي : حتى دنوت منه ، فربما أخذه وربما لم يأخذه . ورهق شخوص فلان أي : دنا وأزف وأفد . والرهق : العظمة ، والرهق : العيب ، والرهق : الظلم . وفي التنزيل : فلا يخاف بخسا ولا رهقا [ ص: 247 ] أي : ظلما ، وقال الأزهري : في هذه الآية الرهق اسم من الإرهاق ، وهو أن يحمل عليه ما لا يطيقه . ورجل مرهق إذا كان يظن به السوء . وفي حديث أبي وائل : أنه صلى على امرأة كانت ترهق أي : تتهم وتؤبن بشر . وفي الحديث : سلك رجلان مفازة : أحدهما عابد ، والآخر به رهق ؛ والحديث الآخر : فلان مرهق أي : متهم بسوء وسفه ، ويروى مرهق أي : ذو رهق . ويقال : القوم رهاق مائة ورهاق مائة بكسر الراء وضمها أي : زهاء مائة ومقدار مائة ؛ حكاه ابن السكيت عن أبي زيد . والريهقان : الزعفران ، وأنشد ابن بري لحميد بن ثور :


                                                          فأخلس منها البقل لونا كأنه     عليل بماء الريهقان ذهيب



                                                          وقال آخر :


                                                          التارك القرن على المتان     كأنما عل بريهقان



                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية