الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ رهب ]

                                                          رهب : رهب بالكسر يرهب رهبة ورهبا بالضم ورهبا ، بالتحريك ، أي : خاف . ورهب الشيء رهبا ورهبا ورهبة : خافه . والاسم : الرهب ، والرهبى ، والرهبوت ، والرهبوتي ، ورجل رهبوت . يقال : رهبوت خير من رحموت ، أي : لأن ترهب خير من أن ترحم . وترهب غيره إذا توعده ، وأنشد الأزهري للعجاج يصف عيرا وأتنه :


                                                          تعطيه رهباها إذا ترهبا على اضطمار الكشح بولا زغربا     عصارة الجزء الذي تحلبا



                                                          رهباها : الذي ترهبه ، كما يقال هالك وهلكى . إذا ترهبا إذا توعدا . وقال الليث : الرهب ، جزم ، لغة في الرهب ، قال : والرهباء اسم من الرهب ، تقول : الرهباء من الله ، والرغباء إليه . وفي حديث الدعاء : رغبة ورهبة إليك . الرهبة : الخوف والفزع ، جمع بين الرغبة والرهبة ، ثم أعمل الرغبة وحدها ، كما تقدم في الرغبة . وفي حديث رضاع الكبير : فبقيت سنة لا أحدث بها رهبته ، قال ابن الأثير هكذا جاء في رواية ، أي : من أجل رهبته ، وهو منصوب على المفعول له . وأرهبه ورهبه واسترهبه : أخافه وفزعه . واسترهبه : استدعى رهبته حتى رهبه الناس ، وبذلك فسر قوله عز وجل : واسترهبوهم وجاءوا بسحر عظيم أي : أرهبوهم . وفي حديث بهز بن حكيم : إني لأسمع الراهبة . قال ابن الأثير : هي الحالة التي ترهب أي : تفزع وتخوف ، وفي رواية : أسمعك راهبا أي : خائفا . وترهب الرجل إذا صار راهبا يخشى الله . والراهب : المتعبد في الصومعة ، وأحد رهبان النصارى ، ومصدره الرهبة والرهبانية ، والجمع الرهبان ، والرهابنة خطأ ، وقد يكون الرهبان واحدا وجمعا ، فمن جعله واحدا جعله على بناء فعلان ، أنشد ابن الأعرابي :


                                                          لو كلمت رهبان دير في القلل     لانحدر الرهبان يسعى فنزل



                                                          قال : ووجه الكلام أن يكون جمعا بالنون ، قال : وإن جمعت الرهبان الواحد رهابين ورهابنة ، جاز ، وإن قلت : رهبانيون كان صوابا . وقال جرير فيمن جعل رهبان جمعا :


                                                          رهبان مدين لو رأوك تنزلوا     والعصم من شعف العقول الفادر



                                                          وعل عاقل صعد الجبل ، والفادر : المسن من الوعول . والرهبانية : مصدر الراهب ، والاسم الرهبانية . وفي التنزيل العزيز : وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه رأفة ورحمة ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله . قال الفارسي : رهبانية ، منصوب بفعل مضمر ، كأنه قال : وابتدعوا رهبانية ابتدعوها ، ولا يكون عطفا على ما قبله من المنصوب في الآية ، لأن ما وضع في القلب لا يبتدع . وقد ترهب . والترهب التعبد ، وقيل : التعبد في صومعته . قال : وأصل الرهبانية من الرهبة ، ثم صارت اسما لما فضل عن المقدار وأفرط فيه ، ومعنى قوله تعالى : ورهبانية ابتدعوها قال أبو إسحاق : يحتمل ضربين : أحدهما أن يكون المعنى في قوله : ورهبانية ابتدعوها وابتدعوا رهبانية ابتدعوها ، كما تقول رأيت زيدا وعمرا أكرمته ، قال : ويكون ما كتبناها عليهم معناه لم تكتب عليهم البتة . ويكون إلا ابتغاء رضوان الله بدلا من الهاء والألف ، فيكون المعنى : ما كتبنا عليهم إلا ابتغاء رضوان الله . وابتغاء رضوان الله ، اتباع ما أمر به ، فهذا ، والله أعلم ، وجه ، وفيه وجه آخر : ابتدعوها ، جاء في التفسير أنهم كانوا يرون من ملوكهم ما لا يصبرون عليه ، فاتخذوا أسرابا وصوامع وابتدعوا ذلك ، فلما ألزموا أنفسهم ذلك التطوع ، ودخلوا فيه ، لزمهم تمامه ، كما أن الإنسان إذا جعل على نفسه صوما ، لم يفترض عليه ، لزمه أن يتمه . والرهبنة : فعلنة منه ، أو فعللة ، على تقدير أصلية النون وزيادتها ، قال ابن الأثير : والرهبانية منسوبة إلى الرهبنة بزيادة الألف . وفي الحديث : لا رهبانية في الإسلام ، هي كالاختصاء واعتناق السلاسل وما أشبه ذلك ، مما كانت الرهابنة تتكلفه ، وقد وضعها الله عز وجل عن أمة محمد صلى الله عليه وسلم . قال ابن الأثير : هي من رهبنة النصارى . قال : وأصلها من الرهبة : الخوف ؛ كانوا يترهبون بالتخلي من أشغال الدنيا ، وترك ملاذها ، والزهد فيها ، والعزلة عن أهلها ، وتعهد مشاقها ، حتى إن منهم من كان يخصي نفسه ويضع السلسلة في عنقه وغير ذلك من أنواع التعذيب ، فنفاها النبي صلى الله عليه وسلم عن الإسلام ، ونهى المسلمين عنها . وفي الحديث : عليكم بالجهاد فإنه رهبانية أمتي ، يريد أن الرهبان ، وإن تركوا الدنيا وزهدوا فيها ، وتخلوا عنها ، فلا ترك ولا زهد ولا تخلي أكثر من بذل النفس في سبيل الله ، وكما أنه ليس عند النصارى عمل أفضل من الترهب ، ففي الإسلام لا عمل أفضل من الجهاد ، ولهذا قال ذروة سنام الإسلام الجهاد في سبيل الله . ورهب الجمل : ذهب ينهض ثم برك من ضعف بصلبه . والرهبى : الناقة المهزولة جدا ، قال :


                                                          ومثلك رهبى قد تركت رذية     تقلب عينيها إذا مر طائر



                                                          وقيل : رهبى هاهنا اسم ناقة ، وإنما سماها بذلك . والرهب : كالرهبى . قال الشاعر :

                                                          [ ص: 241 ]

                                                          وألواح رهب كأن النسوع     أثبتن في الدف منها سطارا



                                                          وقيل : الرهب الجمل الذي استعمل في السفر وكل ، والأنثى رهبة . وأرهب الرجل إذا ركب رهبا ، وهو الجمل العالي ، وأما قول الشاعر :


                                                          ولا بد من غزوة بالمصيف     رهب تكل الوقاح الشكورا



                                                          فإن الرهب من نعت الغزوة ، وهي التي كل ظهرها وهزل . وحكي عن أعرابي أنه قال : رهبت ناقة فلان فقعد عليها يحابيها ، أي : جهدها السير ، فعلفها وأحسن إليها حتى ثابت إليها نفسها . وناقة رهب : ضامر ، وقيل : الرهب الجمل العريض العظام المشبوح الخلق ، قال :


                                                          رهب كبنيان الشآمي أخلق



                                                          والرهب : السهم الرقيق ، وقيل : العظيم . والرهب : النصل الرقيق من نصال السهام ، والجمع رهاب ، قال أبو ذؤيب :


                                                          فدنا له رب الكلاب بكفه     بيض رهاب ريشهن مقزع



                                                          وقال صخر الغي الهذلي :


                                                          إني سينهى عني وعيدهم     بيض رهاب ومجنأ أجد
                                                          وصارم أخلصت خشيبته     أبيض مهو في متنه ربد



                                                          المجنأ : الترس . والأجد : المحكم الصنعة ، وقد فسرناه في ترجمة جنأ . وقوله تعالى : واضمم إليك جناحك من الرهب قال أبو إسحاق : من الرهب . والرهب إذا جزم الهاء ضم الراء ، وإذا حرك الهاء فتح الراء ، ومعناهما واحد مثل الرشد والرشد . قال : ومعنى جناحك هاهنا يقال : العضد ، ويقال : اليد كلها جناح . قال الأزهري وقال مقاتل في قوله ( تعالى ) : من الرهب الرهب كم مدرعته . قال الأزهري : وأكثر الناس ذهبوا في تفسير قوله : من الرهب أنه بمعنى الرهبة ، ولو وجدت إماما من السلف يجعل الرهب كما لذهبت إليه ، لأنه صحيح في العربية ، وهو أشبه بسياق الكلام والتفسير ، والله أعلم بما أراد . والرهب : الكم . يقال : وضعت الشيء في رهبي أي : في كمي . أبو عمرو : يقال لكم القميص : القن والردن والرهب والخلاف . ابن الأعرابي : أرهب الرجل إذا أطال رهبه أي : كمه . والرهابة والرهابة على وزن السحابة : عظيم في الصدر مشرف على البطن ، قال الجوهري : مثل اللسان ، وقال غيره : كأنه طرف لسان الكلب ، والجمع رهاب . وفي حديث عوف بن مالك : لأن يمتلئ ما بين عانتي إلى رهابتي قيحا أحب إلي من أن يمتلئ شعرا . الرهابة بالفتح : غضروف ، كاللسان ، معلق في أسفل الصدر ، مشرف على البطن . قال الخطابي : ويروى بالنون ، وهو غلط . وفي الحديث : فرأيت السكاكين تدور بين رهابته ومعدته . ابن الأعرابي : الرهابة طرف المعدة ، والعلعل : طرف الضلع الذي يشرف على الرهابة . وقال ابن شميل : في قص الصدر رهابته ، قال : وهو لسان القص من أسفل ، قال : والقص مشاش . وقال أبو عبيد في باب البخيل : يعطي من غير طبع جود ، قال أبو زيد : يقال في مثل هذا : رهباك خير من رغباك ، يقول : فرقه منك خير من حبه ، وأحرى أن يعطيك عليه . قال : ومثله الطعن يظأر غيره . ويقال : فعلت ذلك من رهباك أي : من رهبتك ، والرغبى الرغبة . قال : ويقال : رهباك خير من رغباك ، بالضم فيهما . ورهبى : موضع . ودارة رهبى : موضع هناك . ومرهب : اسم .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية