الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ رنا ]

                                                          رنا : الرنو : إدامة النظر مع سكون الطرف . رنوته ورنوت إليه أرنو رنوا ، ورنا له : أدام النظر . يقال : ظل رانيا ، وأرناه غيره . والرنا ، بالفتح ، مقصور : الشيء المنظور إليه ، وفي المحكم : الذي يرنى إليه من حسنه ، سماه بالمصدر ، قال جرير :


                                                          وقد كان من شأن الغوي ظعائن رفعن الرنا والعبقري المرقما



                                                          وأرناني حسن المنظر ، ورناني ، الجوهري : أرناني حسن ما رأيت أي : حملني على الرنو . والرنو : اللهو مع شغل القلب والبصر وغلبة الهوى . وفلان رنو فلانة أي : يرنو إلى حديثها ويعجب به . قال مبتكر الأعرابي : حدثني فلان فرنوت إلى حديثه أي : لهوت به ، وقال : أسأل الله أن يرنيكم إلى الطاعة أي : يصيركم إليها حتى تسكنوا وتدوموا عليها . وإنه لرنو الأماني أي : صاحب أمنية ، والرنوة اللحمة ، وجمعها رنوات . وكأس رنوناة : دائمة على الشرب ساكنة ، ووزنها فعلعلة ، قال ابن أحمر :


                                                          مدت عليه الملك أطنابها     كأس رنوناة وطرف طمر



                                                          أراد : مدت كأس رنوناة عليه أطناب الملك ، فذكر الملك ثم ذكر أطنابه ، قال ابن سيده : لم نسمع بالرنوناة إلا في شعر ابن أحمر ، وجمعها رنونيات ، وروى أبو العباس عن ابن الأعرابي أنه سمعه روى بيت ابن أحمر :


                                                          بنت عليه الملك أطنابها



                                                          أي : الملك ، هي الكأس ، ورفع الملك ببنت ، ورواه ابن السكيت

                                                          [ ص: 239 ] بنت ، بتخفيف النون ، والملك مفعول له ، وقال غيره : هو ظرف . وقيل : حال على تقديره مصدرا مثل أرسلها العراك ، وتقديره بنت عليه كأس رنوناة أطنابها ملكا أي : في حال كونه ملكا ، والهاء في أطنابها في هذه الوجوه كلها عائدة على الكأس ، وقال ابن دريد : أطنابها بدل من الملك فتكون الهاء في أطنابها على هذا عائدة على الملك ، وروى بعضهم : بنت عليه الملك ، فرفع الملك وأنث فعله على معنى المملكة ، وقبل البيت :


                                                          إن امرأ القيس على عهده     في إرث ما كان أبوه حجر
                                                          يلهو بهند فوق أنماطها     وفرثنى يعدو إليه وهر
                                                          حتى أتته فيلق طافح     لا تتقي الزجر ولا تنزجر
                                                          لما رأى يوما له هبوة     مرا عبوسا شره مقمطر
                                                          أدى إلى هند تحياتها

                                                          وقال :

                                                          هذا من دواعي دبر

                                                          إن الفتى يقتر بعد الغنى     ويغتني من بعد ما يفتقر
                                                          والحي كالميت ويبقى التقى     والعيش فنان فحلو ومر


                                                          ومثله قوله :


                                                          فوردت تقتد برد مائها



                                                          أراد : وردت برد ماء تقتد ، ومثله قول الله عز وجل : أحسن كل شيء خلقه أي : أحسن خلق كل شيء ، ويسمى هذا البدل . وقولهم في الفاجرة : ترنى ، هي تفعل من الرنو أي : يدام النظر إليها لأنها تزن بالريبة . الجوهري : وقولهم يا بن ترنى كناية عن اللئيم ، قال صخر الغي :


                                                          فإن ابن ترنى إذا زرتكم     يدافع عني قولا عنيفا



                                                          ويقال : فلان رنو فلانة إذا كان يديم النظر إليها . ورجل رناء ، بالتشديد : للذي يديم النظر إلى النساء . وفلان رنو الأماني أي : صاحب أماني يتوقعها ، وأنشد :


                                                          يا صاحبي إنني أرنوكما     لا تحرماني إنني أرجوكما



                                                          ورنا إليها يرنو رنوا ورنا ، مقصور ، إذا نظر إليها مداومة ، وأنشد :


                                                          إذا هن فصلن الحديث لأهله     وجد الرنا فصلنه بالتهانف



                                                          ابن بري : قال أبو علي : رنوناة فعوعلة أو فعلعلة من الرنا في قول الشاعر :


                                                          حديث الرنا فصلنه بالتهانف



                                                          ابن الأعرابي : ترنى فلان أدام النظر إلى من يحب . وترنى وترنى : اسم رملة ، قال : وقضينا على ألفها بالواو وإن كانت لاما لوجودنا رنوت . والرناء : الصوت والطرب . والرناء : الصوت ، وجمعه أرنية . وقد رنوت أي : طربت . ورنيت غيري : طربته ، قال شمر : سألت الرياشي عن الرناء الصوت ، بضم الراء ، . فلم يعرفه ، وقال : الرناء ، بالفتح ، الجمال ، عن أبي زيد ، وقال المنذري : سألت أبا الهيثم عن الرناء والرناء بالمعنيين اللذين تقدما فلم يحفظ واحدا منهما ، قال أبو منصور : والرناء بمعنى الصوت ممدود صحيح . قال ابن الأنباري : أخبرني أبي عن بعض شيوخه قال : كانت العرب تسمي جمادى الآخرة رنى ، وذا القعدة رنة ، وذا الحجة برك . قال ابن خالويه : رنة اسم جمادى الآخرة ، وأنشد :


                                                          يا آل زيد احذروا هذي السنه     من رنة حتى يوافيها رنه



                                                          قال : ويروى :


                                                          من أنة حتى يوافيها أنه



                                                          ويقال أيضا رنى ، وقال ابن الأنباري : هي بالباء ، وقال أبو عمر الزاهد : هو تصحيف وإنما هو بالنون . والربى ، بالباء : الشاة النفساء ، وقال قطرب وابن الأنباري وأبو الطيب عبد الواحد وأبو القاسم الزجاجي : هو بالباء لا غير ، قال أبو القاسم الزجاجي : لأن فيه يعلم ما نتجت حروبهم أي : ما انجلت عليه أو عنه ، مأخوذ من الشاة الربى ، وأنشد أبو الطيب

                                                          :

                                                          أتيتك في الحنين فقلت : ربى     وماذا بين ربى والحنين ؟



                                                          قال : وأصل رنة رونة ، وهي محذوفة العين ، ورونة الشيء : غايته في حر أو برد أو غيره ، فسمي به جمادى لشدة برده . ويقال : إنهم حين سموا الشهور وافق هذا الشهر شدة البرد فسموه بذلك .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية