الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي

ابن القيم - أبو عبد الله محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية

فصل

المعاصي تضعف في القلب تعظيم الرب

ومن عقوبات الذنوب : أنها تضعف في القلب تعظيم الرب جل جلاله ، وتضعف وقاره في قلب العبد ولا بد ، شاء أم أبى ، ولو تمكن وقار الله وعظمته في قلب العبد لما تجرأ على معاصيه ، وربما اغتر المغتر ، وقال : إنما يحملني على المعاصي حسن الرجاء ، وطمعي في عفوه ، لا ضعف عظمته في قلبي ، وهذا من مغالطة النفس ؛ فإن عظمة الله تعالى وجلاله في قلب العبد تقتضي تعظيم حرماته ، وتعظيم حرماته يحول بينه وبين الذنوب ، والمتجرئون على معاصيه ما قدروا الله حق قدره ، وكيف يقدره حق قدره ، أو يعظمه ويكبره ، ويرجو وقاره ويجله ، من يهون عليه أمره ونهيه ؟ هذا من أمحل المحال ، وأبين الباطل ، وكفى بالعاصي عقوبة أن يضمحل من قلبه تعظيم الله جل جلاله ، وتعظيم حرماته ، ويهون عليه حقه .

ومن بعض عقوبة هذا : أن يرفع الله عز وجل مهابته من قلوب الخلق ، ويهون عليهم ، ويستخفون به ، كما هان عليه أمره واستخف به ، فعلى قدر محبة العبد لله يحبه الناس ، وعلى قدر خوفه من الله يخافه الخلق ، وعلى قدر تعظيمه لله وحرماته يعظمه الناس ، وكيف ينتهك عبد حرمات الله ، ويطمع أن لا ينتهك الناس حرماته أم كيف يهون عليه حق الله ولا يهونه الله على الناس ؟ أم كيف يستخف بمعاصي الله ولا يستخف به الخلق ؟

[ ص: 70 ] وقد أشار سبحانه إلى هذا في كتابه عند ذكر عقوبات الذنوب ، وأنه أركس أربابها بما كسبوا ، وغطى على قلوبهم ، وطبع عليها بذنوبهم ، وأنه نسيهم كما نسوه ، وأهانهم كما أهانوا دينه ، وضيعهم كما ضيعوا أمره ، ولهذا قال تعالى في آية سجود المخلوقات له : ومن يهن الله فما له من مكرم [ سورة الحج : 18 ] فإنهم لما هان عليهم السجود له واستخفوا به ولم يفعلوه أهانهم الله فلم يكن لهم من مكرم بعد أن أهانهم الله ، ومن ذا يكرم من أهانه الله ؟ أو يهن من أكرمه الله ؟

التالي السابق


الخدمات العلمية