الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وويل للمشركين الذين لا يؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم كافرون .

وعيد للمشركين بسوء الحال والشقاء في الآخرة يجوز أن يكون من جملة القول الذي أمر الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن يقوله فهو معطوف على جملة إنما أنا بشر .

ويجوز أن يكون كلاما معترضا من جانب الله تعالى فتكون الواو اعتراضية بين جملة قل إنما أنا بشر وجملة قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض أي أجبهم بقولك : أنا بشر مثلكم يوحى إلي ونحن أعتدنا لهم الويل والشقاء إن لم يقبلوا ما تدعوهم إليه ، فيكون هذا إخبارا من الله تعالى .

وذكر المشركين إظهار في مقام الإضمار ويستفاد تعليق الوعيد على استمرارهم على الكفر من الإخبار عن الويل بكونه ثابتا للمشركين والموصوفين بالذين لا يؤتون الزكاة وبأنهم كافرون بالبعث ؛ لأن تعليق الحكم بالمشتق يؤذن بعلية ما منه الاشتقاق ، ولأن الموصول يؤذن بالإيماء إلى وجه بناء الخبر .

فأما كون الشرك وإنكار البعث موجبين للويل فظاهر ، وأما كون عدم إيتاء الزكاة موجبا للويل فذلك لأنه حمل عليهم ما قارن الإشراك وإنكار البعث من عدم الانتفاع بالأعمال التي جاء بها الإسلام ، فذكر ذلك هنا لتشويه كفرهم وتفظيع شركهم وكفرانهم بالبعث بأنهما يدعوانهم إلى منع الزكاة ، أي إلى القسوة على الفقراء الضعفاء وإلى الشح بالمال وكفى بذلك تشويها في حكم الأخلاق وحكم العرف فيهم ؛ لأنهم يتعيرون باللؤم ، ولكنهم يبذلون المال في غير وجهه ويحرمون منه مستحقيه .

[ ص: 240 ] ويعلم من هذا أن مانع الزكاة من المسلمين له حظ من الويل الذي استحقه المشركون لمنعهم الزكاة في ضمن شركهم ، ولذلك رأى أبو بكر قتال مانعي الزكاة ممن لم يرتدوا عن الإسلام ومنعوا الزكاة مع المرتدين ، ووافقه جميع أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

فالزكاة في الآية هي الصدقة لوقوعها مفعول يؤتون ، ولم تكن يومئذ زكاة مفروضة في الإسلام غير الصدقة دون تعيين نصب ولا أصناف الأرزاق المزكاة ، وكانت الصدقة مفروضة على الجملة ، ولبعض الصدقة ميقات وهي الصدقة قبل مناجاة الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال تعالى يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة .

وجملة وهم بالآخرة هم كافرون إما حال من ضمير يؤتون وإما معطوفة على الصلة .

وضمير هم كافرون ضمير فصل لا يفيد هنا إلا توكيد الحكم ويشبه أن يكون هنا توكيدا لفظيا لا ضمير فصل ، ومثله قوله وهم بالآخرة هم كافرون في سورة يوسف ، وقوله إنني أنا الله في سورة طه .

وتقديم ( بالآخرة ) على متعلقه وهو ( كافرون ) لإفادة الاهتمام .

التالي السابق


الخدمات العلمية